الخميس، 3 يوليو 2014

في:01 يوليوز2014/سجن النظام الرجعي عين قادوس-فاس-/المعتقل السياسي:عبد النبي شعول/شهادة التعذيب -الحلقة الثانية-



سجن النظام الرجعي عين قادوس ـ فاس ـ                    في:01 يوليوز 2014
      
   
 المعتقل السياسي : عبد النبي شعول ـ عبد الله ـ


رقم الاعتقال :89538 

                         

 
شهادة التعذيب ـ الحلقة الثانية ـ


ــ تحية إلى الرفاق و الرفيقات وجماهير شعبنا الصامد.
ــ تحية عالية إلى عائلاتنا المناضلة                  
إنه زمن الحرب، زمن سياسة الأرض المحروقة، زمن الحرائق  وصراع الميادين المشتعلة والمواقع المتناقضة، ومن موقعي، دوما ودائما و أبدا، موقع النار الملتهبة و السجون المريرة، أعلن أنه بحجم الإرادة يكون التعذيب، وبحجم قيمة وقناعة المناضل ومستوى قدرته على التحمل وطاقته على الصمود وسط العواصف وتحت الضربات الموجعة يفقد التعذيب مفعوله و لا يصل الجلاد هدفه، ولكوني واحد من رفاق الدرب الذين ذاقوا ضربات السياط، وتجرعوا مرارة العذاب ومذاق الآلام الدامية، أشهد ومن موقع الإدانة الصارخة، على أن ما مورس في حقي من تعذيب، كان وسيظل إجراما سافرا، كان مؤلما وصاعقا وحارقا بحجم إيماني، بحجم قضيتي، قضية تحرر شعبي المقموع، كان تعذيب موشوم بروح الانتقام و القصاص السياسيين، بروح الحقد الدفين و العداء الصريح اتجاه خيار سياسي معارض، أربعة أيام متتالية، وكرامتي تداس بأقدام الأنذال ، و إنسانيتي تهدر من طرف الأيادي القذرة، لمدة أربعة أيام، جسدي لم يعد ملكي، صار ملكهم، وأسجل بفخر واعتزاز، أنهم عجزوا على تحقيق النصر وبلوغ الهدف، فشلوا في تحطيم شوكتي المناضلة عبر آلياتهم السادية، هزموا في اختراق الجدران الفولاذية، حيث سر الأسرار، حيث الطاقة التي تملأ كياني بالقوة للمقاومة، بالاستمرارية في المواجهة، بالاحتفاظ بشرف الانتماء والهوية، حيث البوصلة التي توجهني، وتوجه رفاقي، وتنير طريقنا، حيث مصدر التخلي بروح المسؤولية السياسية والتاريخية، اتجاه رفاق الدرب، اتجاه الموقف والمبدأ، وإزاء القضية العظيمة لشعبنا، حيث الغدة السياسية التي تفرز وتنتج باستمرار فيتامينات الصمود والشموخ والتحدي الحاسمة في عدم الوقوع في الفشل والسقوط في هكذا اختبارات ورهانات صعبة ومؤلمة للغاية، وكل ما يوجد خارج هذه الجدران الحصينة يهون، كل الأشياء تهون حتى آلام الجسد، ومن لا يملك هذه الجدران ويراعي الأهمية القصوى لهذه الحدود الفاصلة بين الصمود و الانهيار، بين خيار المقاومة وخيار الخيانة، سيرتعب، سيهدم من الداخل، سينكسر حتما، سينهار حتما، حين يفتح أبواب قلعته المحصنة للعدو، ليعبث فيها كيفما  أراد، محولا قضيته إلى سراب، وموقفه إلى زيف، ونضاله إلى طيش شباب وحماس واندفاع زائل مع مرور الوقت.
  لكن ما هو محسوم تاريخيا، سيظل     الجلاد في علاقته بالمعتقل، صاحب الموقف و القضية، الجدير بصفة المناضل، (سيظل) جبانا وكائنا متفسخا، خائفا من المستقبل، عاجزا عن ملامسة خيوطه؛ قد يقدر على سلب الحياة من المناضل، لكن حتما لن يستطيع أن يسلب وينزع منه عشقه الأبدي للحرية، للوطن الاحمر، وحبه العميق للحياة الحقيقية، و الوجود الإنساني الصحيح، الخالي من القمع والبؤس والتعذيب... ولهذ ا سيبقى الجلاد أسير يومياته السوداء؛ يوميات الخزي والعار، إلى حين أن يتحقق الحلم، حلم المناضل، حلم كل المناضلين في وطن من نفس طينة أحلامنا وطموحاتنا... وبهذا الحلم الجميل نواصل معانقة لهموم أحبة لنا في الكدح وفي الفقر... وفي الفجر أيضا... ممتطين حلم الغد الجميل... باحثين عن نقط الضوء وسط عتمات الليل القائم، عن بقع النقاء و الصفاء في مجرى النهر الجاري، نواصل المسير نحو غد يستعيد فيه المهان كرامته، والجائع لقمته و المقيد حريته و المظلوم حقه... والمحروم ما حرم منه... نقاوم كل مجرم، كل عميل، كل خائن، كل مزور للتاريخ، كل جبان، ... كل جلاد يريد، يريد أن يقتل في هذا الوطن ربيعه... ويقوده نحو خريفه القاحل القاتل... وإنا على درب الغد الجميل لماضون.                                         وفي عملية جهنمية من النظام لاغتيال هذا الحلم في إرهاصاته الأولى، وصناعة مأساة إنسانية قد تطول تداعياتها، ضحاياها جيل نوعي من المناضلين القاعديين، يحمل آمال وطموحات عريضة من أجل التغيير، من أجل غد أفضل لشعبه التواق للحرية والعيش الكريم، جيل من الشباب سطع نجمه في عز انتفاضة 20 فبراير، قدم عطاءات نضالية هامة و إسهامات مشهود لها في تاريخ الحركة الطلابية والشعب المغربي، جيل عنوانه الوفاء و الإخلاص و التضحية بلا انقطاع، أعطى من حياته، من ريعان عمره، من لحمه ودمه، من كيانه الشخصي والعائلي؛ الشيء الكثير، جيل وضع تاريخ ميلاده السياسي في النار، في فوهة مدفع النظام، فاحترقت أيام حياته وهو لازال يافعا في العمل السياسي الثوري، في الساحات وسط الجماهير، وفي السجون من اجل الجماهير، فخرجت مؤامرة 24/25 أبريل للوجود، لتعمق من جراحه ومعاناته، وتعقد مساره النضالي أكثر فأكثر، ففي لحظة لن تنسى، سيعمل النظام على تحريك قواه القمعية و إعطائها الضوء الأخضر، بعدما ظلت مرابطة لأيام ضاربة حصار بوليسي مشدد على مداخل ومخارج الجامعة، عاملة على توجيه وتسيير عصاباتها ــ ميليشيات القوى الظلامية، وشبكة مخبريها، لتنجح أخيرا، في تدبير سيناريو صهيوني  معد سلفا داخل دهاليز ومكاتب الأجهزة الاستخباراتية و الذئاب الملتحية، حيث شكل هذا السيناريو الحاصل مدخلا لحملة إرهابية خطيرة استهدفت الرفاق و الرفيقات و المتعاطفين و الجماهير الطلابية، وإعلانا لحملة اعتقالات مسعورة ستبقى فصولها و ملابساتها موشومة في الذاكرة والتاريخ.                                                     الساعة تشير إلى منتصف النهار من يوم الجمعة 25 أبريل 2014، وصلني خبر بحجم فاجعة حقيقية ، حقيقة لم يكن خبرا او فاجعة، بقدر ما كان جواز عبور نحو غرف التعذيب وقذارة الزنازن، تأشيرة رحلة سفر نحو المعاناة مصادق عليها من طرف الجلادين، بطابع بريدي مكتوب عليه وفاة أحد أتباع " العدالة والتنمية"، أحد أولاد " الحكومة الملتحية" بالمركب الاستشفائي، في البداية لم أصدق الخبر، انفجرت غضبا في وجه قائليه " آش كتقول؟ واش راك cava pas ؟" ، في البداية، اعتبرته إشاعة وفقط، وبعد بضع دقائق، جاءني خبر من مصدر موثوق به، يؤكد النبأ المشؤوم، فجلست مكاني لساعات، أراجع شريط الأحداث، وأقلب الصفحات تلو الصفحات من هول المؤامرة و ما أسفرت عنه من نتائج خطيرة؛ اجتاحني سيل من الأسئلة، كيف حدث هذا الأمر؟ متى حدث؟ وكيف و أين أصيب هذا العنصر كما يزعمون؟ ومن؟ وما العمل؟  كيف حال الرفاق و الرفيقات؟ ما مستقبل الحركة و التوجه بعد هذه المؤامرة؟ هل وفاة هذا العنصر طبيعية أم مفبركة؟ ... حدث و لا حرج من الأسئلة، لم أجد أدنى إجابة تشفي غليلي في تلك اللحظة الصادمة، وصلني بعدها مباشرة خبر مفاده أن القوى الظلامية نشرت صورتي وصور رفاق آخرين، تتهمهم بالوقوف وراء ما وقع، مخصصة صفحة على الفايسبوك لذلك التشويه الإعلامي القذر، وعلما أنني موضوع مذكرة بحث من لدن الأجهزة القمعية بعد الهجوم الوحشي الذي استهدف ندوة 28/ 29 مارس التي كان مزمع تنظيمها من طرف النهج الديمقراطي القاعدي، تحت عنوان " حركة 20 فبراير، واقعها و آفاقها، ومهام اليسار الجذري" بكلية العلوم ظهر المهراز، فتحديت هذا المعطى السلبي، وقررت الخروج من المنزل الذي كنت متواجدا به بحي ليراك بفاس رفقة صديق لي يشتغل عامل بناء، فتوجهنا إلى احد الاماكن بالحي ربما أعثر على أحد يمدني بمعطيات إضافية جديدة حول الموضوع، لكن دون جدوى، فرجعنا إلى المنزل وصديقي يطالبني بالهدوء " صافي آخاي عبد الله، ارتاح شوية، لي وقع وقع، وكلشي غادي يبان"، لحظات قصيرة، آمنت بالمصير المحتوم، و الحقيقة التي لا غبار عليها ، هي أن اعتقالي مسألة وقت وجيز، و أنني سأكون ضمن أولويات النظام في تلك اللحظة، وذلك ما حصل، مر يوم السبت، و الأخبار تصلني حول المداهمات و الاقتحامات الليلية وحملة اعتقالات واسعة النطاق تشن في حق الرفاق و الطلبة داخل مدينة فاس وخارجها، بزغت شمس صباح يوم الأحد 27 أبريل 2014، على الساعة العاشرة، استفاقت على إيقاع طرق حاد و مسترسل " افتح لموك، غادي نهرسو الباب، المكان محاصر." وضجيجا صاخبا و أصوات سيارات القمع المرابطة بعين المكان، نهضت بسرعة وقلت لصديقي، إلبس حذائك وثيابك جيدا، قد تعتقل معي، لكن لن تخاف، مهما حصل، لن أتركك فريسة لهم ولن تذهب السجن معي، سأدافع عنك ، وهذا ما حصل بعد ذلك فتم إطلاق سراح صديقي بعد ساعات قليلة من التحقيق.
إن حجاج بيت الله العذاب قد وصلوا، فتحنا باب الغرفة، بعدما قطعت عهدا على نفسي في الدفاع عنه للحيلولة دون اعتقاله و إحالته على السجن، فنظرنا من نافذة صغيرة، لاحظنا عدد غفير من عناصر البوليس العلني و السري، الكل مسلح بالهراوات و العصي و الأصفاد، وبعضهم يمتلك سكاكين حادة، يتقدمهم مدير المخابرات محليا المسمى " الحموشي"، ومن شدة الإرهاب الذي مارسوه، اضطر أحد العناصر القاطنة بغرفة مجاورة لغرفتنا فتح باب الدار تحت طائل الخوف و الرعب، فهاجمونا بالضرب، و أسقطونا أرضا، وقيدوا أيدينا وراء ظهرنا، وأخرجوني مصفد اليدين تحت وابل من الضرب والسب والتشهير  الدعاية المغرضة، أمام حشد كبير من الجيران و المارة في الشارع، وهكذا أخذونا جميعا إلى حدود أوصلونا لموكب من سيارات القمع من مختلف الأنواع.
وعلى طول المسافة الفاصلة بين مكان الاعتقال و غرفة التعذيب بالولاية الكبرى، تعرضت للسب والضرب تارة وتقديم النصائح المسمومة و التشفي الحقير لوضعي تارة أخرى، " مابغيتش تعيق راسك، وتديها في عائلتك، الزام... ، قلناليك من قبل غادي نجيبوك إلى ماخويتيش فاس، هاذ المرة جيبناك بطانة، غادي تلبسها آسي شعول..." ...
أدخلونا من مرآب الولاية الخلفي، ووضعونا في غرفة تحتوي على كراسي وطاولات مهمشة و مكسرة، وعصي حديدية مختلفة، لم تدم إلا دقائق، حتى أطل علي خبير دروس التعذيب وفنونه، " العلوي الشريف" " الحاج رقم 1" في الميدان و التخصص، حملق في وجهي جيدا، وانصرف وهو يأمرهم، ألحقوا بي شعول إلى غرفتي، فأخذوني وراءه إلى غرفته الشهيرة، التي فيها سحقت نخب من أجيال مناضلة متعاقبة، وأدوات السحق عادية تماما، مألوفة تماما، موصوفة في العديد من شواهد التعذيب السابقة، أمرهم بوضع عصابة (بانضة)على عيناي، ويداي مقيدة وراء ظهري، وأنا جالس على ركبتاي فوق " الضس"، و"الحاج رقم1" عزيز السويري، يشرف  على التعذيب ويراقب أشواطه ويتولى التحقيق بطريقته المعهودة، إذا طاب له صفعك بشدة، وركلك وأدماك، إنسان عدواني ومجرم، له مساعدوه وزبانيته وحجاجه، الجميع يهتف بإسم الرئيس الحاج، يأتمرون بأوامره ويزيدون عليها في التطبيق من عندياتهم أكيالا، فقرار الحاج يعني عند حجاجه القرار وزيادة.
... " بارك عليه"، توقف التعذيب الجسدي لبرهة بأمره، وبدأ التعذيب و الإرهاب النفسي كشوط مواز، " شعول كما العادة، إنت كتعرفني وأنا كنعرفك، هذا الملف راه مختلف عن باقي الملفات السابقة، غادي تكول لي شكون اقتل وكيفاش واحكي التفاصيل من A إلى Z "، ... " يالله بدا" فقلت له: أنا لا أعرف من قتل وحتى من قتل، فبدأت موجات الضرب والصفع  على وجهي، " شعول راك عارف كلشي، وسأعطيك إشارة لكي تصدقني، أنت كنت متواجد بكلية العلوم، وهاجمت عماد و ... وقبل أن تتبادل الضرب معه، وقع استفزاز متبادل بينكما، ماذا قلت له...'' " أنا أسألك عن كلية الحقوق من كان فيها ، ومن هاجم طلبة التجديد بمقصف الكلية.." " شعول لبس تريكو ديالك، وقلنا شكون مول تريكو ديال الحقوق..."، أجبته بصدق وأمانة للتاريخ، أنا كنت أتواجد بكلية العلوم، لست البراق كيف أعرف من كان بكلية الحقوق لحظة وقوع الهجوم على الرفاق و الطلبة، لا أعرف ما جرى، نعم بالفعل، كنت متواجد بكلية العلوم، وتعرضنا لهجوم الخوانجية، ولم نعتدي على أحد،... طال الحديث حول ملابسات وحيثيات ما جرى في موقع ظهر المهراز، وحول صديقي المرافق لي، فصرخ في وجهي غاضبا " أنت خاص لدين موك سنطرال، هانا غادي نصيفطك ليه بعينك مغمضين، كتدافع على داك الزوام... ديالك، .." ثم قال لأحد حجاجه " هبط هاد الكلب لاكاف، فكر مزيان، وغدا جاوبني.." فوضعوني في غرفة انفرادية، وهكذا مرت الأيام الثلاثة الباقية، في تنقل متواصل بين غرف التعذيب، من يد " السويري" إلى أيادي أخرى متعددة، من كل التخصصات القمعية، وفي اليوم الثالث أحضروا أحد عناصر القوى الظلامية المسمى " عماد" فاتهمني بضربه بكلية العلوم، آنذاك، صرخ الحاج رقم 1 في وجهي " واش هذا غادي يكذب عليك ، هذا راه إسلامي، ماشي فحالك أنت ..." بعدها سألني : " فين خوك مصطفى "، فقلت له لا اعرف، فتعرضت لوابل من الصفع على يد حجاجه، وهنا سيهددني وربما وعدني و أوفى بوعده الإجرامي " غادي نعتقل أقرب الناس ليك، انتظر المفاجأة "، وهذا ما حصل فيما بعد، تعرض أخي مصطفى للإعتقال بعد أيام قليلة، واعتقلت وراءه رفيقتي سهيلة اقريقع  بعدما تعرضت للاختطاف من مستشفى الغساني لحظة سقوطها في حالة إغماء حادة وذهابها إلى المستشفى.
 أربعة أيام داخل مخافر القمع، وساعات منها قليلة ب"محكمة الإستناف" بفاس و القاضي يصرح : أنت متهم " بالمساهمة والمشاركة في القتل العمد ومحاولته " .
    إلى الحلقة الثالثة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق