فاس في: 21-07-2013
السجن المحلي عين
قادوس
المعتقلين
السياسيين 11
" تغطية شاملة ل: أوضاع كارثية، ووقائع مؤلمة،... ومشاهد صادمة داخل
سجن عين قادوس"
تقديم:
إن هذه الصفحات
التالية لا ترغب في تحريك المشاعر وصدم العواطف، ولا تدعوا المظلومين لتصفية الحساب
مع الظالمين وفقط، بل قبل هذا وذاك، تهدف إلى عكس واقع السجون عبر مرآة الحقيقة
الموضوعية لا غير، عن طريق كشف الحقائق والوقائع المطموسة وفضح وتعرية مروجي خطاب
الزيف والتدليس ، خطاب لطالما أقبر ولازال يقبر حقائق مروعة ويضمر طرق وأساليب الإجرام
والتعذيب والقهر الممنهج الممارسة في حق المعتقلين السياسيين وغير السياسيين داخل
سجون رائحتها تخطت النتانة بكثير، وتعدت مراكز التعذيب الشهيرة في
الجلد ودوس كرامة الانسان أكثر من الكثير.
إن إرهاب الجلادين
المتواصل وممارساتهم السادية المستمرة يزيد من سماكة جدار الصمت والكتمان المضروب
حول هذه الاوضاع والحقائق، مما يضع صعوبات وإكراهات جمة أمام تحركات وأنشطة
المناضلين وذوي الضمائر الإنسانية الحية من العناصر المتعلمة والواعية المناهضة
لهذه الشروط اللاإنسانية القائمة منا خلف الاسوار، هذه التحديات وغيرها تعقد إنجاز
المهام كما نريد ونطمح أن تكون، وبالتالي تحول دون الالمام الشامل والاحاطة
الكاملة بمجموع تفاصيل وحيثيات الحياة داخل المعتقل والاطلاع على كواليسه وأسراره
الخفية التي توجد مفاتيحها داخل صناديق سوداء لا يديرها إلا صناع القرار السياسي
داخل هذه البلاد ورؤساء ومدراء هذه المؤسسات القمعية ومعاونيهم في إطار خطة
إجرامية / عصاباتية تشتغل بطرق أمنية عالية وأساليب احترافية في إدارة وتصريف القهر
والتعذيب بتعميمه على نطاق واسع وبشكل مكثف ودائم.
هذا الواقع الصعب
والشائك، يعقد ظروف عمل الاقلام والاصوات الفكرية والسياسية الشريفة والصادقة
والنزيهة، ويخصب البيئة السجنية المريضة لضمان ظروف اشتغال رحبة لأقلام التزييف
وأصوات التملق والمديح التي لا تتردد في الاصطفاف أمام أجهزة ووسائل الاعلام
والسياسة والتواصل والدعاية الرسمية في طابور متناغم جامع وموحد لكل من المثقفين
الانتهازيين الفاشلين، والفقهاء الكذابين المداهنين، والكتاب المرتزقة والاعلاميين
المرتشين والمأجورين، وغيرهم من الطوائف المبتذلة التي دأبت الاكل والشرب من فتات
وبقايا وفضلات موائد النظام الرجعي الدسمة.
هؤلاء وأولئك، ما
فتئوا يتسابقون في إظهار كفاءاتهم في طمس واقع مليء بجرائم التعذيب، ويظهرون براءتهم
في الرقص على نغمة الاصلاح وإعادة الادماج وتقويم ممارسات وسلوكات السجناء من أجل
إشراكهم وانخراطهم في المجتمع من جديد، نغمة تقادمت لحنا ورنينا وفقدت بريقها
المزيف ومفعولها المسموم إلى حد بعيد، وأصابت مستمعيها بمرض التلوث السمعي البصري،
نظرا لبشاعة واقع السجون العامل على خلق شروط عيش مدمرة لطاقات بشرية هامة حكم
عليها النظام بسياساته الطبقية أن تحييا حياة القهر والجوع والجهل والاعتقال في
السجون، بدل أن يفتح لها المدارس والجامعات للتعليم، والمعامل والمصانع ووحدات الانتاج من أجل العمل لضمان لقمة خبز في
ظل حياة كريمة لها ولأبنائها.
وسنحاول ما أمكن
إماطة اللثام أكثر عن واقع سجن من أشهر سجون النظام الممتدة على طول خريطة وطننا
الجريح، سجن تم تشييده من طرف الاستعمار المباشر بعد إصداره مرسوم 11-04-1915،
القاضي بإنشاء سجون على النمط الأوروبي، سجن يعد ملحقة لجامعة ظهر المهراز، نظرا
لريادتها النضالية وقوة المعارك البطولية التي تفجر في رحابها من قبل مناضليها
ومناضلاتها وجماهيرها الصامدة خلال كل موسم جامعي، بحيث تحول هذا السجن في السنوات
الاخيرة إلى قلعة للنضال والصمود من قبل معتقلي النهج الديمقراطي القاعدي الفصيل
الماركسي اللينيني الثوري ببلادنا، والاتحاد الوطني لطلبة المغرب المنظمة الطلابية
الصامدة والمكافحة، ونستحضر هنا تضحيات جسام كتبت بلغة حروفها من الدم والصمود داخل
زنازينه القاسية على يد العديد من الرفاق : المعركة البطولية لموسم 2008/2009،
معركة الاضراب المفتوح عن الطعام لموسم 2011/2012 التي بلغت 86 يوما من الشموخ
والتحدي، والتي خاض أشواطها كل من الرفاق: محمد غلوط، ابراهيم السعيدي، محمد
الزغديدي،محمد فتال، والتي التحق بها كل من الرفيقين محمد القشقاشي والعلمي
الاسماعيلي، معركة 2012/2013 التي فجرها كل من الرفاق محمد صالح، عبد الوهاب
الرمادي، محمد آيت الرايس، طارق بوراس، وعبد النبي شعول ( عبد الله)، هذا الاخير
الذي اعتقل من جديد يواصل هذه المعركة إلى جانب
الرفاق: عمر الطيبي، أسامة زنطار، محمد رضا الدرقاوي، جابر الرويجل، ميمون
بنزيزة، صلاح الدين شفيق، موسى آسموني، أنس البشيري، ياسين تريد، لينضاف الرفيق
محمد بوجناح يوم 19 يوليوز 2013، دون إغفال بصمات رفاق آخرين في هذه المعركة
المتواصلة والذين تم فرض اطلاق سراحهم ... كل هذه المعارك المذكورة وسابقاتها صنعت
ولازالت تصنع في هذا السجن، إنه سجن عين قادوس بفاس السيء الذكر، إنه مركز تعذيب
جسدي ونفسي حقيقي من جهة النظام وعصاباته من الجلادين، إنه مركز لصناعة المعارك
البطولية وخوض غمار التحدي والمقاومة من جهة المعتقلين السياسيين.
إن سجن عين قادوس
بفاس عبارة عن مركب يضم مجموعة من الاحياء السكنية السجنية الخاصة بإقامة السجناء
والتي تتوزع على الشكل الاتي:
ü
الحي الجنائي: يعتبر هذا الحي من أقدم
الاحياء التي شيدت على يد الاستعمار الفرنسي المباشر، ويصطلح عليه وفق القاموس
السجني quartier français، يقطن داخله حوالي 410
سجين، موزعين على 31 عنبر / سيلون و4 غرف، وبعد قيامنا بعملية حسابية بسيطة من أجل
توزيع هذا العدد من السجناء على عدد الغرف والعنابر نجد الحصيلة التالية:
·
40 سجين يتواجدون داخل
كل غرفة، أي ما يعادل 160 سجين موزعة على 4 غرف موجودة من داخل هذا الحي.
·
250 سجين سجين موزعين
على 31 عنبر، أي بمعدل 8,04 سجين في كل عنبر.
علما أن مساحة العنبر داخل هذا الحي لا تتعدي 3 أمتار
طول على متر ونصف عرض، مكتن لا يتسع لأكثر من 4 سجناء كحد أقصى، ولكن حسب
الاحصائيات المسجلة والمستمدة من الواقع الحقيقي، نجد 8 سجناء داخل العنبر، أي ضعف
العدد المفترض أن يكون، بمعنى سجينين في
مكان سجين واحد، منفس الشيء ينطبق على الغرف، والتي لا تتسع بدورها لأكثر من 20
سجين لكن نجد داخلها أكثر من 40 سجين.
ü
الحي الجنحي: حي سجني شهير باسم "cartier
arabe " ، يعد من أبرز الأحياء السكنية
اكتظاظا واتساخا وقهرا وتعذيبا للسجناء، يتواجد به حوالي 750 سجين، متفرقين على 10
غرف و6 عنابر وفق التوزيع التالي:
·
36 سجين متواجدين داخل
6 عنابر، بمعدل 6 سجناء داخل عنبر واحد، مع العلم أن مساحة العنبر داخل هذا الحي
تقدر ب 0.5 متر عرض على 2 متر طول، عنبر بمثابة سرداب تحت الأرض تنعدم فيه
التهوية، ويوجد داخله مرحاض ضيق جدا من حيث المساحة.
·
714 سجين موزعين على 10 غرف بمعدل متوسط 71.4
سجين كل غرفة مساحتها لا تتجاوز 4 أمتار عرضا و6 أمتار طولا، وغالبا ما نجد أن بعض
الغرف يتواجد بها أكثر من 100 سجين ، وأخرى ما بين 30 أو 40 سجين.
إن قراءة هذه
الأرقام ومع ما يفترض أن يكون، سنجد أن 3 سجناء يتواجدون داخل مكان مفترض فيه أن
يكون لسجين واحد.
ü
الحي الجديد: يضم 4 غرف، يحتوي على أكثر من
160 سجين بمعدل 40 سجين على الأقل في كل غرفة مساحتها لا تتجاوز 2.5 متر عرض على 4
أمتار طول. وللإشارة، هو الحي الذي توفي به السنة الفارطة السجين جوهر فتاح، وقد
أعلن المعتقلون السياسيون آنذاك ذلك في بلاغ للرأي العام بجميع ملابسات الحادث.
ü
حي التوبة: هو الحي السجني الذي نتواجد فيه
داخل الغرفة 9، حيث يضم حوالي 500 سجين موزعين على 11 غرفة، بمعدل متوسط 46 سجين داخل كل غرفة، علما أن الغرفة داخل هذا
الحي مساحتها لا تتعدى 3 أمتار عرض و4 أمتار طول.
ü
حي الأحداث: حي يقطن داخله حوالي 50 سجين قاصر-
حدث، لا تتجاوز أعمارهم 16 سنة ومن بينهم من لا يتجاوز عمره 12 سنة، يتوفر على 6
غرف صغيرة المساحة وضيقة الحجم، بمعدل 9 سجناء في الغرفة الواحدة، وللإشارة، داخل
هذا الحي يتواجد 4 تلاميذ ( سبق أن أشرنا إليهم في بعض كتاباتنا السابقة).
ü
حي النساء: يضم أكثر من 56 سجينة ولا تتوفر
لدينا معطيات حوله لحدود اللحظة.
ü
غرفة المسنين: عبارة عن قاعة واحدة مساحتها لا
تتعدى 5 أمتار عرض و10 أمتار طول، يتواجد داخلها حوالي 50 سجين مسن، يعيشون ظروفا
كارثية بحكم كبر سنهم وعدم قدرتهم على خدمة أنفسهم اعتمادا على مجهوداتهم الخاصة،
الشيء الذين يزيد من تأزيم وضعيتهم، ومعظمهم مصابون بأمراض جسدية مزمنة ونفسية
مضطربة وحادة، ولحد علمنا ومعرفتنا بهم، 3 سجناء منهم مصابين بمرض السكري ولا
يتلقون العلاجات الطبية اللازمة.
ü
قاعة الكلف: غرفة متواجدة وسط السجن، كانت
قبل عامين تدعى غرفة الضيافة، إذ يتم تكديس السجناء بمختلف أنواعهم ومشاربهم
داخلها لمدة زمنية تفوق الشهر، وبعدها يتم توزيعهم على باقي الاحياء السجنية
الاخرى، لكن ونتاج لمجموعة من الظواهر الاجتماعية والامراض الصحية الخطيرة التي
تعج بها هذه الغرفة، تم تحويلها إلى غرفة لإقامة السجناء بشكل دائم وخاصة من شارفت
مدة محكوميته على الانتهاء، وداخل هذه القاعة ينتشر بكثرة العديد من أنواع الحشرات
السامة من قبيل القمل والبق و"بودارع"... وانتشار الاوساخ والروائح الكريهة، ويصل حاليا
عدد السجناء المتواجدين بها 30 سجين.
ü
قاعة المطبخ: عبارة عن غرفة متواجدة داخل
مطبخ السجن، يقطنها حوالي 40 سجين، كلهم يشتغلون كعمال ومستخدمين في الطهي وتوزيع
" الصوبا " على باقي السجناء، يشتغلون طيلة تواجدهم في السجن ليل نهار
دون أجر أو تعويض مادي على خدماتهم اليومية الشاقة، وعندما يطالبون بذلك، يتم
معاقبتهم عن طريق ترحيلهم إلى الحي الجنحي("quartier
arabe") باعتباره أقسى اقامة سجنية
ووضعهم في غرفة تتميز بكثرة السجناء وقساوة ظروف الحياة داخلها كعقاب لهم.
ü
قاعة العلاج: غرفة متواجدة داخل المصحة،
يقطنها فقط السجناء المصابين بأمراض خطيرة أو من أجرى عملية جراحية وبترت إحدى
أطرافه العضوية، حاليا يتواجد فيها 14 سجين مريض إلا حالة أو حالتين عاديتين،
ويرتبط وجودها هناك لأسباب لا تعرفها إلا
ادراة السجن وطبيب المصحة السجنية الذي رخص لهم التواجد في هذا المكان
المخصص للمرضى.
هذه هي مجموع القاعات والاحياء السجنية التي تأوي
السجناء داخل عين قادوس، والذين وصل عددهم حاليا أكثر من 2030 سجين كلهم قيد
الاعتقال الاحتياطي، وبعدما يصدر في حقهم الحكم النهائي يتم ترحيلهم إلى سجني
بوركايز بفاس و"عين عيشة" بتاونات لقضاء مدة محكوميتهم، ومن أبرز
السجناء المخضرمين داخل سجن عين قادوس والذي تجاوز مدة 5 سنوات داخل هذا السجن ولم
يتم النطق بالحكم النهائي في حقه، هو السجين عبد المومن السليماني ويطلق عليه
قيدوم سجناء عين قادوس.
لطالما كان
وسيظل سجن عين قادوس كغيره من سجون النظام الرجعي، مدرسة لإنتاج واعادة انتاج نفس
العلاقات الثقافية السائدة في المجتمع وبأبشع تجلياتها المريضة والمتعفنة، إذ
يعتبر هذا السجن كمجتمع مصغر تتركز داخلة كل الظواهر الاجتماعية بدءا بالزبونية
والمحسوبية والتعذيب النفسي والجسدي والحرمان، مرورا بالاختلاس والسرقة
والابتزاز... وصولا إلى قاموس لغوي سوقي وإباحي بامتياز... هذا الجو العام الذي
يؤثث سجن عين قادوس ليس وليد الصدفة أو لحظة آنية، بقدر ما هي بيئة اجتماعية
وجودها المادي داخل الاسوار وجذوره الحقيقية خارج الاسوار ، كإفرازات قيحية مكثفة
نابعة من واقع اجتماعي اقتصادي وسياسي وثقافي متخلف وبائد، تضمن له الحياة والاستمرارية سياسات طبقية تؤطر مختلف مناحي الحياة الاجتماعية سواء
داخل السجن أو خارجه.
إدارة السجن وموظفيها تعمل بممارساتها على تخصيب هذا
الواقع المريض، إذ تسهر على إغراق السجن
بكل ماتسميه ينفسها ممنوعات من قبيل المخدرات الصلبة وغير الصلبة التي يدخل جزء
منها عبر الادارة وموظفيها، وجزأ آخر عبر السجناء في أمعائهم أو في جيوبهم
والموظفين على علم بذلك، والجزأ الباقي يتهاطل من فوق سماء السجن من الخارج على
شكل " كزدومة "، وفي هذه الحالة الثالثة تدخلت الادارة وقامت بتغليف كل
الاحياء السجنية ما عدا الحي الجنائي لكي تتحكم في خريطة ترويج المخدرات وتضبط وتتحكم
في مروجيها لكي تفرض عليهم الاتاوات الشهرية كغيرهم مقابل السماح لهم بالتزود
المستمر والمنتظم بكميات المخدرات المناسبة والكافية.
وعندما يتأخر مروجي المخدرات في توزيع بضائعهم المسمومة
على السجناء أو عندما يرتفع سعرها وخاصة في شهر " الصيام "، تنتج ظواهر
خطيرة وتحدث مشاهد مؤلمة، إذ يشرع السجناء المدمنين على ضرب وجرح أجسادهم بآلات
حادة تدعى " الفروي" وأخرى تسمى " الدفاش "، أما النافذين
منهم يمارسون العنف على من هم أقل مالا وشأنا داخل السجن، وهناك حالة أخرى في هذا
الصدد، بعض السجناء يضربون أنفسهم بأيديهم حتى يسيل منهم الدم، وذلك من أجل خلق
مبرر للتوجه نحو المصحة واغتنام الفرصة للتزود بكمية من المخدرات من بعض مروجيها
الذين يقطنون هناك... لكن تبقى الادارة هي المسؤولة بكل خبايا واسرار هذه التجارة
المربحة جدا داخل السجن، وهي المتحكمة في رواجها وسعرها واماكن انتشارها وتدري
جيدا من هم مروجوها وحتى زبنائها، ولكن تقف موقف المتفرج أمام سموم تدمر صحة
الالاف من السجناء دون أدنى إجراء للحد منها على الاقل.
ينضاف إلى هذا الوضع الكارثي، مسألة التطبيب داخل سجن
عين قادوس، إذ توجد مصحة واحدة داخل قاعة بها مكتب واحد وكرسيين، وذلك مقابل أكثر
من 2000 سجين ، إذ تتحول حصة العلاج داخل هذه المصحة بالنسبة لغالبية السجناء
بمثابة حصة تعذيب جسدي ونفسي يومية، لا يتلقون أي علاج حقيقي خصوصا في غياب عدد
كاف منم الاطباء والممرضين، إذ يوجد طبيب واحد و6 ممرضين يتناوبون فيما بينهم،
الامر الذي يجعل السجناء عرضة للأمراض الخطيرة دون علاج، وفتح المجال لانتشارها
وخاصة ما تعرفه الغرف والعنابر من قلة التهوية وغياب أشعة الشمس وانتشار الروائح
والاوساخ والحشرات مما يزيد من تخصيب البيئة لتكاثر الامراض المزمنة والمعدية.
إن غياب التطبيب اللازم والمتابعة الصحية الحقيقية نتج
عنه وفاة العديد من السجناء ولجوء البعض إلى الانتحار بدل القبول بأمر الواقع،
وسجلنا في شهر أبريل المنصرم، 6 محاولات انتحار، نجى منها 5 حالات بأعجوبة والحالة
السادسة لقيت مصرعها بموت سجين داخل حي التوبة، كما يسجل ايضا قيام بعض الممرضين
بعدم توزيع الادوية على السجناء إلا بعد تلقيهم مبالغ مالية مقبل ذلك، وبيع اقراص "القرقوبي"
( Rosina ,valuim … )لبعض السجناء، وهؤلاء
يعيدون بيعها بأثمان مرتفعة ليست للحالات المصابة بل للحالات السليمة.
أما فيما يخص واقع التغذية داخل هذا السجن، أقل ما يقال
عنها، أنها غير صحية بتاتا وغير متوازنة بالمرة، إذ يتلقى كل سجين على الساعة
الحادية عشرة صباحا وجبة فطور مكونة من خبزة واحدة ذات جودة متردية وكاسا من الشاي أو بالأحرى من
ماء ساخن ذو لون أحمر، وهذا اكتشاف جديد داخل السجن حتى الماء لديه لون ما كنا
نعلم هذا قبل اعتقالنا، أما وجبة الغذاء فهي مكونة من حساء بالخضر المفرومة أو ما
يطلق عليه " سبعة خضر " وفي بعض
المرات يقدمون قليلا من العدس أو اللوبيا أكيد مرفوقة بأحجارها واترابها وحبات
بلورية زجاجية وخبزة واحدة، أما وجبة العشاء فلن تخرج عن زليفة من " التشيشة
" او الحريرة ، "الصوبا"، هذه الوجبات تقدم في الايام العادية وحتى
حاليا في شهر رمضان، وغالبا ما تسمع صراخ السجناء في منتصف الليل بسبب الجوع الذي
لحق بهم، إذ يشرعون بالمناداة على بعضهم البعض مطالبين بكسرة خبز يسدون بها رمقهم،
متداولين العبارة التالية: " واش كاينشيبيدانسية"، " واش مازال
عندك اعشيريشيرساين"، علما أن الغالبية منهم السجناء يتلقون "
القرابة" اسبوعيا من لدن عائلاتهم.
أما فيما يخص العلاقات التي تنتظم بين السجناء والموظفين
فهي علاقة تجارية بامتياز، بحيث إذا لم يقدم السجين اتاوة / رشوة مالية للموظف فلن
ينجح في قضاء مآربه أو الاستفادة من مرفق اجتماعي معين داخل المؤسسة، وحتى من داخل
نفس الحي، لا يتمكن السجين من الخروج من باب الحي للساحة الكبيرة لحظة الفسحة إلا
بعد ما يقدم مبلغ مالي متفق عليه للموظف،
العملية شبيهة بما يوجد في القرى والبوادي خصوصا، إذ تجد أمامك في الطريق "
باراجديالالجدارمية" عليك إرشائهم مقابل أن تمر بسيارتك بسلام وإلا سيسحبون
منك أوراق السيارة ويلفقون إليك تهمة مخالفة طرقية أو ماشابه ذلك.كل الطرق
والمسالك داخل السجن هي عبارة عن حواجز تخطيها في الذهاب والاياب، في الدخول
والخروج، يتطلب من السجين دفع اتاوة ويشكل منتظم.
أما السجناء الفقراء فلن ينعموا بفسحة خارج حيهم وغرفهم،
لانهم يفتقدون للمال والجاه والعلاقات الاجتماعية المشبوهة مع الموظفين.
كما يعرف سجن عين قادوس، غياب تام للأنشطة الثقافية
والرياضية والدراسية، إذ توجد فقط مكتبة صغيرة جدا، يتواجد داخلها 10 كراسي و5
طاولات، ومدرسة صغيرة ظلت مهجورة لسنوات ولم تفتح إلا بعد مطالبتنا بذلك ولأوقات
محددة جدا خلال البوم، كما يعرف أيضا هذا السجن طريقة غريبة في تدبير الزيارات، إذ
توجد قاعة واحدة وبدون كراسي أو طاولات، تكتظ بالسجناء والزائرين على آخرها وكأنها
في موسم " بويا عمر" لا السجين يستفيد من زيارته ولا الزائر يعفى من
عناء هذه الزيارة، الاثنان مع موعد معناة أسبوعي داخل قاعة الزيارة، ومعظم
العائلات تبقى مدة طويلة خارج السجن تحرق شمسا وتبرد شتاءا في انتظار قدوم دورها
في الصف وما يرافق هذه العملية من تفتيش مستفز وفي بعض الاحيان يصل الامر بالموظف
أو الموظفة إلى استعمال " الليكا" للتنقيب عن المخدرات بين الاعضاء
التناسلية للزائرين والزائرات صغارا وكبارا، وفي الغالب تكون العملية استفزازية
وانتقامية أكثر من تفتيش حقيقي.
أما أخطر الظواهر انتشارا، هي ظاهرة تعذيب السجناء من
طرف الادارة وموظفيها، إذ تمارس عملية تعذيب وضرب مبرح بالركل والصفع و "
الزرواطات" في حق السجناء أمام الملأ دون أدنى تردد، وبعدها يتم تقييد يد
السجين بالأغلال واقتياده لمركز التعذيب
المعروف بال " poste" ليتم
استكمال فصول المجزرة، وبعدها بمدة طويلة إما ان يرسلوه إلى غرفته مدرجا في دمائه
وجراحه وإما يدخلوه غرفة انفرادية تدعى " الكاشو" لمدة معينة قد تصل إلى
45 يوم أو شهرين، وإما أن يرسل إلى المصحة للعلاج. فإذا كان السجين تسلب حريته
ب"حكم قضائي"، فداخل عين قادوس تهدر وتسحق كرامته بالتعذيب الجسدي
والنفسي دون اللجوء إلى إجراءات بديلة، فيظل التعذيب هو الاجراء / السلوك القائم
والبديل في نفس الوقت.
والعديد من الظواهر والممارسات الاخرى سنتطرق إليها
بالتفصيل لاحقا، وإلى هنا يظل سجن عين قادوس مركز تعذيب وقهر حقيقي للسجناء،
ومدرسة لتعليم كيف يصبحون مجرمين محترفين في كل أنواع السرقات والضرب والجرح وكل
هذه المرضيات والسلوكات الخاطئة، التي علمهم إياها المجتمع والسجن معا.
وفي الاخير، نشير اننا سنتعرض لهجوم من طرف الادارة
والمستفيدين معها من الوضع الكارثي والخطير من داخل عين قادوس، بعد نشر هذا
التقرير، إلا ان مسؤوليتنا كمناضلين معتقلين سياسيين تحتم علينا فضح وتعرية وافع
ومعاناة السجناء وحياتهم القاسية داخل الزنازن، وأي صمت أو سكوت على هكذا ممارسات
وظواهر وأوضاع من طرف المناضلين يعد تواطؤا مع واقع مريض وجب مواجهته بدل التعيش
معه وإلى جانبه بسلام.
نكون أو لا نكون
لا سلام لا استسلام ... معركة إلى الأمام
الحرية للمعتقلين السياسيين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق