الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014

من "حذر" بالشوارع، إلى حظر بالجامعات//حول "مقترح قانون محاربة العنف بالجامعات و المؤسسات التعليمية و الأحياء الجامعية"




من "حذر" بالشوارع، إلى حظر بالجامعات

حول "مقترح قانون محاربة العنف بالجامعات و المؤسسات التعليمية و الأحياء الجامعية"
توطئة:
            تتسع الهوة و الفوارق، يزداد المتوحشون توحشا، و المفترسون افتراسا، فيسحق المسحوق أكثر، و يجوع الجائع أكثر، يقتل كل من لا ينتمي لزمرتهم، و تضيق الأوطان بأصحابها، ... تشتد حدة التناقضات الطبقية، فتتصدر المشهد لغة المصالح (مصالح الأقوى)، و تصبح قيم و مفاهيم كالإنسانية و الكرامة و العدالة، ... في مهب الرياح، تدوسها أقدام الهمج دون تردد. و لإحكام القبضة الحديدية و السيطرة التامة، لابد من مؤسسات و أجهزة ( سياسية، اقتصادية، عسكرية، إيديولوجية، ...)، لابد من صناعة أوهام تتخبط فيها الشعوب و تعيش تحت رحمتها، حروب و أمراض فتاكة، لابد من الاغتيالات و الاعتقالات و تكميم الأفواه، لابد من الدمار و الخراب و المجاعات، ... تارة لا يتطلب الأمر أي مبرر أو سند، لكن حين يتطلب الأمر ذلك، يدعمون "إجراءاتهم" و حروبهم و دمارهم المصنوع بأيديهم "بقوانين" هي قوانينهم و "دساتير" هي دساتيرهم و أكاذيب و أضاليل هي من أمهات أفكارهم.
و بما أننا في بلد "الاستثناء"، فالقائمون على "سلامة و أمن" الوطن، يسهرون بكل الوسائل و الآليات على حفظ "الاستقرار" و لا يذخرون الجهود في سبيل ذلك، حتى لا يتحول البلد إلى بؤرة مشتعلة، تنقلب معها الموازين، و تخرج عن نطاق سيطرة موصولة بحبل سري يمكن من الحفاظ على نفس التوازنات القائمة (المصالح، و المواقع و الكراسي)، مع بعض التعديلات الشكلية التي لا تطال الجوهر، و التي تفرضها تقلبات الوضع.
و في سياق حديثنا، و خصوصا مع المستجدات و التطورات الحاصلة في المغرب، تبرز حزمة من "الإجراءات" و "القوانين" الجديدة شكلا، و القديمة من حيث جوهرها و أهدافها، تتفرق على كل القطاعات و المجالات، لتجتمع كلها حول خدمة المشاريع/المصالح الاستعمارية و محاولة تأبيد الاستغلال الوحشي للأغلبية الساحقة من السواعد المنتجة  من طرف الأقلية الطفيلية، و ذلك عن طريق سحق كل تحرك نضالي و مبادرة جادة و جريئة. و الحديث هنا عن حالة الاستثناء (غير المعلنة) المفروضة بالمغرب، و التي من بين أهم مظاهرها مخطط "حذر" المعمم مؤخرا بجل المدن و مشروع "قانون محاربة العنف بالجامعات و المؤسسات التعليمية و الأحياء الجامعية".
مخطط "حذر" بين الإعلام و الواقع:
            حفاظا على صورة "الاستثناء" المزيفة، يسخر النظام كل إمكاناته و مؤسساته، خاصة الإعلامية منها، لتوفير الغطاء الكافي بغية تمرير كل ما ينبغي تمريره، و توجيه الرأي العام، و خلق الإجماع المطلوب حول الفكرة المراد ترسيخها في الأوساط. على هذا الأساس، و منذ مدة ليست بالبعيدة، و قبل ظهور عساكر مدججين بالرشاشات يتجولون بالشوارع و المطارات و داخل مؤسسات بعينها، لوحظ ارتفاع كبير في منسوب الأخبار (عبر كل المنابر الإعلامية: السمعية البصرية، المكتوبة، و الإلكترونية، ...) المروجة لمخاطر "إرهابية" تهدد المغرب، و فكر "داعشي" يجتاح شريحة واسعة من الشعب (مغاربة داعش)، و كذلك تشنج كبير في العلاقات بين نظام الكمبرادور و الملاكين العقاريين بالمغرب، و نظام الجنرالات بالجزائر (الصراعات اللصوصية)، و وباء "الإيبولا" الفتاك، و غير ذلك من الأخطار التي تواجه المغرب. و درءا لكل ما من شأنه أن يزعزع "استقرار" البلد، أشرف "حامي حمى الملة و الدين" شخصيا على وضع خطة "أمنية"، بمشاركة كل الأجهزة (قوات مسلحة، درك، شرطة، قوات مساعدة، المخابرات بكافة تشكيلاتها، ...). لينعم الشعب المغربي بإطلالة "حذر" البهية، و قبل ذلك بأسابيع قليلة، تم نشر بطاريات الصواريخ و آليات عسكرية أخرى في أماكن قيل عنها حساسة و بطريقة يمكن القول أنها كانت مقصودة بشكل كبير، و حسب نفس التقارير و الأخبار الإعلامية يرجع ذلك "للسياسة الأمنية الاستباقية و الاحترازية" التي يتبناها المغرب.
فما هي نسبة الحقيقة فيما يتم ترويجه؟؟
            لا يختلف اثنان حول الأزمة العميقة التي يتخبط فيها نظام العمالة، الأزمة التي تتفاقم حدتها سنة بعد أخرى، و في كل لحظة، و ذلك بارتباط وثيق بالأزمة العامة و البنيوية التي تعاني منها الامبريالية بشكل عام، و لا تجد من مخرج منها إلا تصريفها على كاهل الفقراء عبر فرض إملاءات على مقاس أصحابها من المؤسسات المالية الكبرى، الشيء الذي لا يجد النظام القائم و كل الأنظمة الرجعية العميلة حرجا في التصريح به. و لأن وضعا كهذا لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن يخدم مصالح الفئات المسيطرة، باعتبارها وسيط نهب الخيرات، فهي لا تتوانى عن مواجهة أي حراك جماهيري مقاوم لمخططاتها. فما بين الاغتيالات الواسعة (تصفية عناصر المقاومة المسلحة و جيش التحرير، المناضلين الماركسيين اللينينيين الحاملين لمشروع الثورة، عشرات الآلاف من الشهداء في الانتفاضات الشعبية، ...)، و الاختطافات و عقود السجون و المنافي، إلى المؤامرات و الدسائس، ... و في هذا السياق يبرز إلى الواجهة مخطط "حذر" الذي لا يمكن تصنيفه إلا كإحدى آليات القمع الوحشي، بعيدا عن لغة الخشب و الأضاليل التي يراد منها التمويه. خصوصا بعد الانتفاضة الشعبية العارمة ل 20 فبراير 2011 و ما تلاها من احتجاجات و تمردات في شتى القطاعات و كل مناطق البلاد، هذا من جهة، و من جهة ثانية الإجهازات المتتالية على كل مكتسبات الشعب المغربي، و استهداف قدرته الشرائية عبر الزيادات الصاروخية و المتتالية في أسعار المواد الأساسية و إثقال كاهله بالضرائب (المباشرة و غير المباشرة)، و تجميد الأجور، بل و حتى الاقتطاع منها، و تعاظم أعداد المعطلين بفعل السياسات الطبقية المطبقة في التشغيل (رفع سن التقاعد نموذجا)، و كذلك تقليص الميزانية المخصصة لقطاعات الصحة و التعليم و الخدمات مقابل تخصيص ميزانيات خيالية "للقصر" و الحاشية "الملكية" و أجهزة القمع بمختلف تشكيلاتها، ...
كل هاته المعطيات تشكل بواعث قلق للنظام القائم، و انسجاما و طبيعته اللاديمقراطية كان لابد من إجراء كمخطط "حذر"، يهدف إلى توجيه الأنظار في مهمة شكلية نحو "العدو الخارجي الوهمي"، تلك الفزاعة التاريخية التي تستعملها الأنظمة لصرف أنظار الشعوب عن قضاياها الرئيسية، و تبقى المهمة الأساسية لإنزال الجيش إلى الشوارع هي الخطوة الاستباقية للنظام الديكتاتوري لسفك دماء الشعب المغربي درءا لأي تحرك شعبي قد يعصف بالتحالف الطبقي المسيطر، و التاريخ خير شاهد على دموية هذا النظام (مجزرة 58 و 59 بالريف و مكناس، 23 مارس 1965، انتفاضة الفلاحين ب"أولاد خليفة"، 1981، 1984، 1990، 2007، 2011، ...) حيث لعلعت الذخيرة الحية و تحركت الدبابات و الآليات العسكرية الثقيلة، و ارتفعت المروحيات، و دفنت الجثث في المقابر الجماعية، .... 
و تبقى المحاولات اليائسة و البئيسة لتبييض الوجه و التملص من جرائم ارتكبت في واضحة النهار (تنظيم "المنتدى العالمي لحقوق الإنسان" نموذجا)، مقدمات للمزيد من إحكام القبضة الحديدية/العسكرية بلغة الحديد و النار و الجمر و الرصاص.

يتبع ..............................

حنظلة القاعدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق