الخميس، 23 مايو 2013

السجن المحلي عين قادوس " سجن العار" فاس المعتقل السياسي: محمد الهراس رقم الاعتقال: 83447 ، شهادة حول التعذيب

فاس في 12/05/2013
السجن المحلي عين قادوس " سجن العار"  فاس
المعتقل السياسي: محمد الهراس
رقم الاعتقال: 83447
شهادة حول التعذيب
هو ذلك يوم الشر، يوم الاثنين الاسود، أسود ليس من خلال لونه، لكن أسود لأنه كشف لي شخصيا وبصورة واضحة عن سوداوية و عن إجرامية تتعلق بأناس تدعي صيانة الأمن العام والسهر على حفظ البلاد والدفاع عن مصالح وحقوق وحريات الشعب المغربي المتشرد. لكن، صدقوني ها هي الحقيقة، ومن لم يصدق فل يصدق المثل الشعبي" سال المجرب لا تسال الطبيب" .

هو يوم لعين، الاثنين 6 ماي 2013، والذي كان مقررا فيه محاكمة مجموعة من رفاقي الذين اعتقلوا سابقا على خلفية  مقاطعة الامتحانات الاستثنائية المشبوهة في كلية الآداب والعلوم الانسانية وما ترتب عنها من تدخل همجي بشع من طرف قوات القمع بشتى أطيافها وأساليب قمعها وكل وسائل تهجمها. هذه الامتحانات الاقصائية كنت أنا الاول من الطلبة الذين تم إقصاؤهم وسلب حقهم المشروع والمقدس في التعليم إلى جانب حقوق أخرى. وكواجب إنساني اولا، وطلابي نضالي ثانيا وأخلاقي تضامني في آخر المطاف، كان لا بد علي أن أساند وأن أتضامن مع رفاقي المعتقلين وهم أشرف السكوري ورشيد أغزر وعائشة البوش وأسماء صباح والذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب والسجن... ، ولا يزالون. كانت غيرة نضالية بطولية كاسحة على جل انحاء فكري وجوارحي هي الدافع والمحفز الذي دفعني إلى الاتحاق بالمظاهرة المتوجهة إلى المحكمة الابتدائية والتي كان مقررا محاكمة رفاقي فيها.
توجهت التظاهرة مباشرة إلى مقر المحكمة منشدين شعارات غاضبة ثورية تنادي بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين منها "من اجلنا اعتقلوا من أجلهم نناضلوا" و"الاعتقال السياسي قضية طبقية". بوصولنا إلى حديقة الاطلس تفاجأنا بجيش من قوى القمع متجهة نحونا مباشرة وبسرعة نهائية وكأن جيش"إسرائيل" يقوم بغزو غزة. ماذا فعل هؤلاء الطلبة؟ أيملكون أسلحة كيماوية أو نووية تشكل خطرا على أمن الانسانية؟ و هل يطالبون بشيء خارق للعادة؟ هؤلاء الجنود البهائمية تدخلوا في تظاهرة الطلبة بقوة وشراسة وهمجية عنيفة، فإذا بهم يضربون، يصفدون، يركلون ويمزقون أجساد و أرواح أولاد هذا الشعب الكادح والمجوع. لكن من أين يستمد هذا الظلم وهذا الغزو مشروعيته ومصداقيته؟ هل من الدستور الممنوح الذي منح للشعب المغربي في 2011؟ أم من خلال توقيع المغرب على المواثيق والاتفاقيات الاممية والدولية المتعلقة بحقوق الانسان والديمقراطية والحريات الفردية والجماعية، وكذلك مغرب العهد الجديد والحداثة؟ هل يتوافق هذا الهجوم الكاسح مع تلك الشعارات الرنانة والبراقة التي نسمعها من خلال الاعلام المغربي الخَدَمُ والمأجور؟ وهل هناك تخوف من شيء آخر بديل وهو الحل الجذري قد يعصف  غدا او قريبا ويشعل النار؟ ذلك لا محل لرجال المطافئ او القوات العمومية او لهذه الجنود المدجنة بأن تقترب، لان النار ستأتي على الأخضر واليابس .
في ذلك اليوم الشرير خصوصا عندما تم تدخل القوات العمومية (سيمي، قوات المساعدة، وغيرها من المدنية...) كانت هي الطامة العظمى والكارثة المرتكبة في حقنا، كانت هي مجزرة ترتكب في صفوف طالبي طالبات العلم والمعرفة، اجيال وشباب مغرب المستقبل ، كانت هي محزرة ترتكب في  صفوف ابناء وبنات شعبنا الكادح، شعبنا المستغل والكادح. لم أكن أتوقع حجم هذه المجزرة لكن هي حقيقة الميدان. ولا يمكن أن يتوصل إليها إلا من يتواجد في حلبة الصراع الطبقي، تلك هي حلبة الحرب بين طبقتين إحداهما تمثل 1 بالمئة من مجموع المجتمع المغربي وهي الطبقة البرجوازية الحاكمة والحاجزة لثروات وخيرات وأراضي وبحار ومناجم وحتى شساعة مساحة هذا البلد الغني، وطبقة أخرى مضطهدة تمثل 99 في المئة من مجموع المغرب هي الطبقة العاملة البروليتارية من عمال وفلاحين وموظفين بسطاء والمحرومة من أدنى حقوقها ومن أدنى شروط الحياة من تعليم وصحة وسكن... ولا من حيث حقوق وحريات أخرى أساسية اصبح الحديث عنها في القرن 21 في بلدان أخرى ربما طابوها او خجل، وخير دليل مطلب المراحيض بكلية الآداب والعلوم الانسانية من داخل العاصمة العلمية المغربية بفاس. لكن هي وصمة عار وذل على جبين هذا النظام المستبد، هذا النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي و اللامسؤول. إنه نظام خادم اسياده الامبرياليين، أسياده الامريكيين والأوروبيين، ناهبي ثرواته وخيراته وحتى أدمغته العبقرية. فلماذا لهذا النظام من هذه السياسة؟ ولماذا لهذا النظام من هذا الخذول؟ إنه بلا شك- والكل يعلم والكل يرى- يخذل ويخدع الشعب. ذلك الشعب الخجول الذي كلفه بتدبير شأن الدولة. وليس هذا النظام هو من يملك من القوة والقدرة والاحترام إلا ما يمنحه له هذا الشعب المغربي المجوع، لكنه دائم الدعاء" الله ياخد الحق"، لكن يوما ما لن يكتفي بالدعاء .
مرة أخرى ، سأعود إلى ذلك اليوم الملعون، حينما تم تدخل جيش " إسرائيل" (البوليس...) في صفوف الطلبة لم أشعر بنفسي إلا وأنا هارب بكل ما أملك من السرعة والقوة متوجها نحو حي الاطلس من جهة محطة الوقود TOTAL، فدخلت إحدى العمارات في داخل الحي عسى ان انجو من البطش. كنا اثنين من قصد إحدى العمارات، أنا صعدت في الدرج وإحدى الرفيقات سقطت في الدرج ومن ذلك الحين غاب عني مصيرها، صعدت حتى الطابق الثاني والكل مظلم، اختبأت في ركن بعيد قليلا عن الدرج. هناك وقفت من دون ان اتنفس او اتحرك، لم تمضي 40 ثانية حتى دخل رجل قمع "سيمي" رفقة مجموعة من الاشخاص المدنية، لكنها بوليسية والدليل على ذلك هو انهم كلهم يملكون "المينوط" وكلهم انهالوا علي بالضرب والركل حتى سقطت على الارض. إنه السيمي الذي يخبط علي بتلك الهراوة السوداء في كل انحاء جسمي بكل ما اوتي من القوة ومن دون ان يموضع إنزالها سواء في الراس أو الظهر ...، المهم "انت حصلتي هاد النهار ، فيه غادي تندم على النهار اللي خلقتي فيه اولد القحـ..." ، اما الرجال المدجنة المدنية فانهالت علي مباشرة بالصفع على مستوى الوجه والضرب باللكمات إلى الرأس والبطن بالإضافة إلى الركل على مختلف مناطق الجسم خصوصا وانا ساقط على الارض. هنيهة فإذا بإحدى الابواب فتحت وخرج ما بالداخل متسائلين ومتعاطفين بحالي. فإذا بأحد هؤلاء رجال القمع اجابهم باني لص خطير. فجروني من اطرافي في الدرج إلى ان خرجنا من العمارة. منهم من يجر ومنهم من يركل ويضرب ناهيك عن السب والشتم والتحقير بعبارات بهائمية نابية...، فاتجهوا إلى حيث "الصطافيطات" الزرقاء من دون توقف ثانية على الضرب والتقتيل. في تلك الاثناء ازداد عدد هؤلاء الجلادين ولم أستطع تحديد عددهم ولا حتى تفريق ألوان زيهم. حينذاك قام أحدهم بإدخال حَجَرَتَيْن "طرفين من الزليج السميك" في جيوب سروالي، الاولى في جيبي الامامي الايسر والاخرى في جيبي الخلفي الايمن وهو يقول لي "ها باش غادي نغرق لموك شقف" ، فازداد عدد الضربات المتهاطلة على كل اطرافي وخصوصا الرأس والوجه إلى ان وصلوا إلى تلك "الصطافيط" الزرقاء اللعينة المملوءة على اخرها بالسيمي. لم يتوقف الضرب قط. وتم إدخالي إلى وسطهم حينذاك أحدهم حاول إدخال هرواته في مؤخرتي وهو يقول "هاد النهار غادي نخشي لموك هاد الهراوة وعاد غادي نغتاصبك" حينذاك ازدادا عدد الضربات المتساقطة على كل انحاء جسمي وكأنني تحت المطر الغزير. فلم استطع ولو تغطية وجهي بأيدي المصفدة بالمينوط إلى الخلف مع كثرة الطعن وسرعة اداء الضرب. حينداك شرع احدهم بالخبط على راسي بحذائه الصلب بما في ذلك الوجه والظهر والصدر... وآخرون بالهراوات يجلدون بشراسة وكأنهم يقتلون ثعبانا ضخما. احدهم قصد مباشرة سروالي محاولا انتزاعه مني بالقوة وهو يقول " هبط لموك داك السروال راني شحال هادي ما حـ...." فإذا بالسائق منعه وقال له: "ها  انت امسخوط الوالدين غادي دير شي كارثة راه ذكر" فلم ينصت إليه وواصل في التهديد إلى ان منعه آخر. حينذاك أخذ آخر مدية ووضعها في جيبي وهو يقول:"هاهدي شهرين ديال الحبس على حسابي" محاولا إغراقي في السجن، لكنه قبل نزولي أخذها. دمت على هذه الحالة لمدة تقارب الساعة تحت وطأة التقتيل والتمزيق،  ولم يتوقف التنكيل بل بين الفينة والاخرى يبدع أشكالا فنية جديدة كنتف الشعر والمس بمؤخرتي. ناهيك عن الشتم والتحقير والتحطيم المعنوي. بعد ذلك تحركت السيارة التي كنت فيها قرب مسجد الاطلس فإذا بها توقفت قرب أخرى بيضاء " الامن الوطني". فتم جري من الاولى وكأنهم يجرون حيوانا ميتا من كثرة الضرب. فادخلوني في الثانية وتلك هي محطة اخرى للتقتيل. في هذه السيارة كان ثلاثة رجال رهيبين أحدهم اسود البشرة، مباشرة مع دخولي وإغلاق الابواب بدأت عملية تنكيل جديدة ووفقا للمعايير القمعية الهمجية وهي التي كان يقولون عنها:"ديرلو الطيارة باش يسافر من هاد المغرب"، صحيح هو طيار كان يأخذني عندما تلتقي على وجهي من جهتيه اليمنى واليسرى صفعات قوية ومتتالية ومركزة بالخصوص على مستوى الاذنين. فذلك هو شكل جديد لتمزيق عظامي عندما بدأوا بالضرب المبرح على مختلف أطرافي وخصوصا اطرافي السفلى بالهراوات ولم يكفيهم الانتقام مني، انني ساقط على الارض كالجثة الميتة وهم يواصلون الركل والرفس بالأحذية حتى بدأ الدم يخرج من أنفي بصبيب قوي. آنذاك أصابتني غيبوبة وإغماء مميتين افقدوني وجودي. لازلت في تلك السيارة التي كانت متجهة نحو "الولاية" حيث استيقظت على إثر صب الماء على وجهي من أجل أن انهض لكي يتم تسليمي "للولاية" فتم إنزالي من تلك السيارة فأخدني احد رجال القمع من "المينوط" الذي يصفد يدي. فرفعه نحو الاعلى وكلما رفعه نحو الاعلى زاد عصف ألم يدي وظهري وكتفي وانحنى رأسي إلى قدمي من شدة تلك العملية التقتيلية. فتم تسليمي إلى المحقق في ذلك المكتب الذي تم التحقيق فيه معي سالفا على إثر إعتقالي في 16 أبريل على إثر الامتحانات الاستثنائية المشبوهة وما رافقها من حصار وتقتيل وترهيب. هو نفس الاعتقال الذي لم يخلو من مظاهر التنكيل وسلب الانسانية طبق الاصل مع التي تعرضت لها هذه المرة. حينذاك تم إطلاق سراح يدي من ذلك "المينوط" الحقير والذي ترك حزازاته محفورة في يدي إلى حدود الساعة. جلست على كرسي تحت وطأة الشتم والترهيب إلى جانب 5 من رفاقي أخرين كانوا هناك. حينذاك بدأت الاسئلة والاستنطاق واول سؤال وجه لي :"شوف هاد الكمامر واش كتعرفهم؟" بمعنى هل تعرف أحدا؟ هل هم أصدقاؤك؟ إنهم كلهم رفاقي في درب النضال لكني نفيت وردت باني لا أعرف احدا. فبدأت أسئلة أخرى ما اسمك؟ اسمك ابيك وامك؟ اين تسكن؟ ماهو مستواك الجامعي؟ هل أنت قاعدي؟ هل لك علاقة بالقاعديين ؟ اين يقطنون؟ ماهي انواع الكتب التي قرات؟ هل تعرف شيئا عن الفلسفة الماركسية؟ وغيرها من الاسئلة البوليسية الاستخباراتية المرفوقة بالترهيب و الصفع، "إما غادي تقول الحقيقة ولا غادي نكملو على مك". وتواصلت عدة اسئلة اخرى لكن لم يجدوا شيئا. دخل واحد من المحققين الذين حققوا معي سابقا. مباشرة عرفني وقال "أنت داك الز... اللي جيتي داك النهار" فرد أخر" هذا راسوا قاصح خصو الماصة" فسحبوني إلى مكتب آخر مجهز بالحواسيب وإدا بأحدهم انهال علي بالشتم والتحقير وقال :"أنتم ولاد تاونات وولاد تازة غي جبالة مقفحين خص لمكم الفيزا باش تبقاو دخلوا لفاس" و" خصكم تمشيو تسرحوا ماشي تجيوا لفاس تقراو في الجامعة" . من بعد تم طرح أسئلة أخرى شبيهة لم يجدوا عنها جوابا رغم الترهيب. كانت حوالي الثالثة زوالا. حينذاك تم تفتيش الهاتف، قائمة الاسماء الواحدة تلو الاخرى بما في ذلك الصور والموسيقى فوجدوا تسجيل بيان فاتح ماي الذي ألقاه احد الرفاق في ساحة 20 يناير، ساحة الشرف، فتوجه إلي مسرعا من يلقي البيان. فردت عليه بأني لا أعرف وان التسجيل هو فقط من إرسال أحد اصدقائي من كلية الآداب. فرد علي بصفعة قوية كادت ان تسقطني ارضا. فعادوا إلى الاحجار التي ألقاها السيمي سلفا في جيوبي، هل هي لي؟ وهل انا من وضعتها في الجيوب؟ ولأي غرض كنت أستعملها؟ فردت بأنه بهتان ومن صنع رجال القمع الذين القوا علي القبض. فإذا بأحدهم كرر نفس العبارة السابقة لكنه أضاف عليها جديدا "هاد الز ... راسوا قاصح هابطوا مو يتبرد هاد الليلة في داك الكاشو وبداوا حتى لغدا" . فأخذني احدهم من يدي وتوجه بي عبر تلك الادرجة نحو الاسفل. وقف في باب سوداء فيها بعض الثقوب لرؤية ما بالداخل أو الخارج، فرن في جرس برجل قمع بشع فتح الباب، فسلمني إليه وقال له "ها هذا تهلا فيه مزيان" فتم إدخالي إلى مكتب فيه امرأة قمع تدون وآخر يتسلم ما لدي من أشياء كالنقود والحزام والمفاتيح... وبعد ذلك تم إدخالي إلى دهاليز كنت اتوقع قذارتها وحجم بشاعتها. فإذا بي أشاهد قضبان الاقفاص، هي تلك الزنازن والاقبية التي سيتم داخلها تسليمي. إنها الزنزانة رقم 6 وهي مملوءة عن أخرها بتسعة معتقلين من الحق العام وانا العاشر. الكل متعجب، وانا مندهش! هل سأظل هنا بين هؤلاء المشردين والممزقين في وجوههم وأذرعهم بحزازات السكاكين والخناجر؟ أفي هذه الزنزانة الضيقة والمتسخة من دون فراش أو غطاء سأظل؟ لا يمكن !!  إن اسطبل المواشي في تاونات هو أحسن بكثير من ظروف هاته الزنزانة ومن دون أي شك ! هؤلاء المعتقلين الذين يوجدون داخل هذه الزنزانة مندهشين مستغربين من حالتي الصحية والجسدية، وإذا بأحدهم نطق "مالك واش فلتي من الكلاب؟؟؟"  فردت عليه قائلا:" لا أخويا راه ضربوني المخزن". فاذا بآخر متقدم في السن تساءل: "واش هاد المخزن كيفرس هكذا عباد الله؟؟؟ هادوك الكلاب والدياب اللي بحال هاد الشي؟؟" فشعرت بأسى ودمار نفسي شديد حتى انهالت الدموع من عيوني الممزقة فرددت عليه باكيا "هاد الشي اللي كتب الله اعمي" وسقطت أرضا، والكل التف حولي واستنكر ذلك العدوان. هكذا دمت 3 دقائق حتى فقدت وجودي واغمي علي. ربما مع الثانية  أو الثالثة من صباح تلك الليلة استيقظت من ذلك الموت المرير،  فلم اجد طاقة لكي اتقلب او أهمس فبقيت هكذا الى ان اخذني النوم غفلة. ومع الثامنة او اقل جاء ذلك الرجل القمعي "الحباس" ، ففتح باب الزنزانة وقال :" نوضوا باش تمشيو لهيه"، فالكل نهض إلا انا لم أستطع ، فإذا بمعتقلين أخذوني من يدي وساعدوني في الخروج. إلى أين سنتوجه؟ سنتوجه إلى الزنزانة رقم 2 وهي شاسعة لكن روائح النتن والازبال تفوح من كل حدب وصوب. هناك اجلس، قف، تجول او اصنع ما شئت ! فإذا هبطت الارض وفي اعتقادي انه "اللي تلف ايشد الارض" هو مثل صحيح لكن حالتي المتأزمة والمزرية هي من أتلفت قبلتي وهي من جعلتني ارقد الارض. هناك في هذه الزنزانة تصب كل الزنازين الاخرى وفيها يجتمع كل المعتقلين منهم قاتل الارواح ومنهم مغتصبي الفتيات ومنهم بائعي المخدرات ومنهم اللصوص، ومنهم من له مشكل مع زوجته، ومنهم طالب علم له افكار وطموح تم تشتيت ضلوعه... بعد مرور نصف ساعة تقريبا وبأمر من ذلك "الحباس" لجأنا انا و اوجه أخرى جديدة إلى الزنزانة رقم 10 ومباشرة سقطت ارضها. دمت على هده الحالة إلى ان سمعت اسمي ينادى عليه. فردت "نعم" فإذا به ذلك "الحباس" وقال "نوض تكلم" غادرت تلك الزنزانة الرهيبة بمشقة كبيرة في المشي. إنه أحد محققي البارحة ينتظر، فأخدني من يدي متوجها نحو الأعلى. حينذاك سألني عن حالتي الصحية فأجبته "شوييا". في هذا اليوم سيتم التحقيق معي في مكتب أخر ومع وجوه أخرى لكن وفق منهجية استنطاق فنية وغير مختلفة عن السابقة، هو اسلوب شبيه بالمصاحبة والظرافة !!، "شوف دابا حنا مغاديش نضربوك وإلى قلت لنا الحقيقة راه غادي انطلقوك بحالك" نعم سأقول الحقيقة ولا شيء آخر غير الحقيقة  !! . بدأت الاسئلة من جديد واول سؤال هو "شنو كنت باغي دير بداك الحجر ؟"، أجبته بصراحة بان رجال القمع هم من وضعوه في جيبي، فلم يصدق. سؤال اخر هو "ما الغرض من مشاركتك في التظاهرة؟" اجبته انني بمحض الصدفة كنت وقت التدخل في حديقة الاطلس. ازداد تعصبه وبدأ في الشتم" انت راك ولد القحـ... خصني نهرسلك داك الراس باش تڭر" فعلا راسي قاصح كالصخر لكن من حقي. توالت عدة اسئلة من محققين آخرين فلم ينالوا شيئا. في لحظة قال احدهم "هبطوه علي لداك الكاشو راه غادي ايمرضني بالسكر هذا" . فتم التنفيذ ، هي مرة أخرى رجعت إلى تلك الزنزانة المقيتة نفسها 10 ومباشرة سقطت الارض من دون التفات.  كانت هي حالة متدهورة للغاية خصوصا وآثار الضرب المفرط افقدني جل حواسي، من السمع لحد الساعة، العينين وكانهما ضربتا بالرصاص بالاضافة الى تمزيق وجهي وكل اطرافي الاخرى. في تلك الزنزانة الحقيرة الكل يستغرب لحالي. فإذا بأحد المعتقلين قدم لي قطعة "مادلين" وكأس "رايبي" لعتق الروح. هكذا استمريت حتى أخذني النوم غفلة . حوالي الثالثة زوالا سمعت اسمي ينادى عليه. وهو بلا شك "الحباس" الملقب بـ" مسرور" يقول "نوض تكلم للشاف" ، خرجت بمشقة الانفس، تم تسليمي إلى رجلي قمع عظيمي الجثة بزي مدني احدهم نطق "راك شويا او تمشي للطبيب" فاجبت: "راني عيان" فتم ادخالي إلى صطافيط بيضاء متجهين إلى مستشفى "كوكار" وبعدها إلى مستشفى "البطحاء باب الحديد" لم يكن أي علاج، كان الأطباء ظرفاء لكن ليس معي ، وإنما مع هؤلاء الجلادين. فرجعنا بعد ذلك إلى صطافيط متجهين إلى "الولاية" وسيتم إرجاعي إلى ذلك القبو المتسخ لأقضي تلك الليلة على نفس الحالة. وغدا سيتم تقديمنا إلى المحكمة وهناك سيتم ادخالنا إلى قبو متسخ، فيه كل روائح النتن والبول ودخان السجائر والحشيش بالاضافة إلى ان ارضيته كلها ازبال وماء وبول. إنها حالة كارثية ! انها ليست "المحكمة الابتدائية"، انه سجن تزمامارت أو اسطبل البغال والابقار !! مرت حوالي ساعة ونصف بدانا نسمع بعض الاسماء ينادى عليها. كل من نودي عنه سيدخل على مكتب "نائب وكيل الملك". على نفس الحالة والكل ينتظر محطم وكاره للحياة. مرت حوالي ساعة ونصف أخرى حتى نوديا على اسمي: محمد الهراس. دخلت إلى المكتب وبدأت الاسئلة "مالحالتك؟" "نتا هو محمد الهراس؟" ، " انت طالب؟" ، " هاد الحجر ديالك"، كانت هي اسئلة شبيهة بتلك التي كنت اسمعها " بالولاية" لم يعطي اهتماما لحالتي الصحية والجسدية المزرية. وتم ارجاعي على ذلك القبو البشع. مرت حوالي الساعتين على تلك الحالة، لا ماء لا غذاء لا هواء نقي أو بقعة يابسة يمكن الرقود فيها. تم النداء على اسمي للالتحاق بالمحاكمة. دخلت إلى قاعة المحكمة، ونظرا لسوء حالتي الصحية المتدهورة فالكل تفاجأ وخصوصا عائلتي، هي صدمة لكل الحضور بما في ذلك هيئة الدفاع التي تستحق خالص التحايا والشكر، لا لشيء إلا لغيرتها النضالية ونبذها لهذا الاجرام الغاشم الذي يتعرض له اولاد هذا الشعب المقموع والمقهور، عجت قاعة المحكمة بالتجادل بين هيئة الدفاع وممثل الحق العام (النيابة العامة) خاصة عندما تجردت من لباسي وانكشف الضرب والتعذيب لكل قريب وبعيد. كان تشبث هيئة الدفاع المستميت لاجراء خبرة طبية لكشف التقتيل الذي لحقني، كان ارتباك وتجاهل ممثل الحق العام واضحا ومعبرا على عدم استقلالية القضاء المغربي واتباعهم اوامر من فوق كانت بادية. انسحبت هيئة الدفاع لعدم شفافية المحكمة. بقيت معلقا بين أسنان الذئاب حائرا في أمري. تم إخراجي من المحاكمة ليتم إرجاعي إلى دلك القبو المشمئز. بعد فوات بعض الوقت ظننت ان مصيري هو عين قادوس وهو ما تم فعلا. قاموا بشحننا مرة أخرى في "الصطافيط" من داخلها سجن آخر بشباك محكم الصنع. كان الازدحام يزيد من معاناتي خصوصا وأيدي مصفدة، سيتم تسليمنا إلى السجن واتخاد الاجراءات الادارية. تم التفتيش وبعد ذلك تم إدخالي الى السجن. كان خوف رهيب على كل أنحائي، وبعدما رأيت رفاقي مجتمعين لاستقبالي تحول إلى فرح وفخر منقطعي النظير بحفاوة لا تتوقع، التقيت رفاقي. فاشتعلت فرحة عارمة. وفي كل الانحاء كان الحراس يتحسسون الذل والمقت. لكن أشيء آخر أكثر قساوة من التعذيب والتقتيل يملكه هذا النظام السفاح؟ أهناك سجن آخر غير عين قادوس او تزمامارت او عكاشة يمكن إخراس قناعات صلبة لن تتكسر ولو برمي الرصاص؟ أيمكن إيقاف حرب التحرير الشعبية وبلدنا محتجز من طرف نظام لا وطني لا ديمقراطي لا شعبي وغير مستقل؟ انتهت العصور الوسطى وعصور الاستعمارات الامبريالية مع الثورة الفرنسية في سنة 1789 . وانتهى الظلم والاستبداد وقانون الغاب. لكن للأسف ، هذا النظام القائم في المغرب لا يزال يحسب انه مايزال يعيش عصور الظلمات وانه من يحكم من دون مسؤولية او حساب. ولم يعطي اهتماما لرعاياه من اين يستمد قوته. لكن هو يعلم انه في حاجة الى الزوال ولا يزال يؤجل رحيله. وهو يعلم أن نار الشعب لن ترحمه. وهو يعلم انه يوجد مشروع مجتمعي بديل تسود فيه الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية. إنه يعلم بان هذا المشروع المجتمعي يضيق عليه الخناق. ويوما او اياما قريبة سيسقطه من دون شك. إنه يعرف ولا يزال ينفذ جرائمه من خلال كل كلابه الرجعية. لكن الاسود تبقى أسودا وإن زجت بالاقفاص، وإن طال الزمان سيتم تحطيم الاقفاص والسجون، ذلك لا مجال للنقاش فيه. آنذاك ستبقى الكلاب كلابا ولو كانت في قصور الذهب وإن كانت ترقص فوق ظهور الاسود. ستعصف الرياح لا محال وستشتعل النار ومن قلب السجون ينبع الثوار، ومن ميدان الواقع المغربي الحالي سيستيقظ النوام والتاريخ شاهد عيان، والشعب هو مقرر المصير.
 والمجد والخلود لكل الابرار، شهداء هذا الوطن الجريح وعلى رأسهم شهداء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والنهج الديمقراطي القاعدي. تحية المجد والخلود لكل مناضلي ومناضلات أوطم في كل المواقع الجامعية وعلى رأسها موقع ظهر المهراز الصامد. والخزي والعار والذل والمهانة إلى هذا النظام الغاشم وكل كلابه الرجعية والمتواطئين معه في تنفيذ جرائمه ومخططاته ولا سلام ولا استسلام والمعركة إلى الامام، ولن نركع ولن نركع ولو قطعو رؤوسنا وأجسادنا أطرافا أطرافا ولن نصمت ولن نخضع. ولن نخون ولن نموت، وإن متنا سنموت أبطالا وسنزل ابطالا ثوريين شجعانا وسندوم .
تحية النضال والصمود إلى كل مناضلي ومناضلات ظهر المهراز
تحية النضال والصمود إلى كل غيور وطموح في تحرير هذا الوطن الاسير
تحية النضال والصمود إلى كل العقول المتحررة
المجد والعزة والكرامة إلى كل المعتقلين السياسيين ال 22 من داخل زنازن سجن عين قادوس وباقي سجون النظام الغاشم الملعون
المعتقل السياسي محمد الهراس
الاتحاد الوطني لطلبة المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق