الأربعاء، 11 يونيو 2014

فاس في:10-06-2014السجن المحلي عين قادوس/المعتقل السياسي: أسامة زنطار رقم الاعتقال:89539-شهادة حول التعذيب-



فاس في: 10-06-2014



    - السجن المحلي عين قادوس
                  -فاس-
    -المعتقل السياسي: أسامة زنطار
    - رقم الاعتقال    : 89539




-شهادة حول التعذيب-


بعد مرور ما يناهز خمسة أشهر وثمانية أيام على مغادرة السجن السيء الذكر عين قادوس، وتحقيقنا نصرا جزئيا متمثلا في فرض اطلاق سراحنا بعد تجربة اعتقال سياسي دامت مدة سبعة أشهر، سبعة أشهر من المعاناة، سبعة أشهر كان عنوانها الأبرز التغلب على قساوة الجذران و صلابة القضبان وقهر السجان، تجربة تبقى نقطة في مسار تحرر الشعب المغربي، لم تثنينا هذه التجربة من طبيعة الحال من مواصلة نضالنا إلى جانب الجماهير الطلابية، وإلى جانب كل المعدومين والمضطهدين من أبناء شعبنا.
قبل الخوض في غمار هذه التجربة لابد من التأكيد على أن الهجوم على الحركة الطلابية بصيغته الحالية هو الأن في ذروته باكتمال ملامح المؤامرة وأشواطها، مؤامرة كان للنظام الدور الأساسي في إخراجها بصورتها النهائية، انطلقت أولى أشواط هذه المؤامرة في 15 أبريل من السنة الفارطة واتضحت معالمها في خضم الهجوم التاتاري للنظام القائم بجحافله القمعية، قوبلت بتصدي بطولي من طرف الجماهير الطلابية بأشكال نضالية متميزة، مارس فيها النظام شتى أنواع العنف والقمع في حق الجماهير الطلابية، تلتها حملة اعتقال و متابعات مسعورة ضد المناضلين والطلبة، كنت واحدا من بين المناضلين اللذين اعتقلوا في فاتح ماي 2013 تزامنا مع العيد الأممي للطبقة العاملة.
مع بداية السنة الجارية وفي خطوة غير مسبوقة سيقدم النظام على استهداف احد الأسس المادية الذي يرتكز عليها الطالب في تواجده من داخل الجامعة، هذا الاستهداف جاء اثر قرار قاضي بإغلاق الحي الجامعي وملحقته "الديرو" وتشريد المئات من الطلبة والطالبات بغرض محو التاريخ والإرث النضاليين الذي لطالما كان الحي الجامعي رمزهما وينبوعا نضاليا بامتياز لتخريج خيرة المناضلين وطنيا، وقد جاء هذا القرار أيضا كخطوة متقدمة في فصول المؤامرة، من جهة لتسهيل انزال مخططاته الطبقية الرامية إلى خوصصة التعليم، ومن جهة أخرى لإقبار كل صوت حر ومكافح.
هذا القرار السياسي كان بمثابة إشارة واضحة للمناضلين تفيد أن النظام يقوم بترتيب آخر أوراقه لتنفيذ مؤامرة/جريمة، هذه المرة تستهدف فصيل النهج الديمقراطي القاعدي على وجه الخصوص، من أجل تشويه تاريخه النضالي وتجريم مناضليه وطمس كل ما خلفه من رصيد وتاريخ وارث نضالي مشرق ومتميز مشهود له من طرف أعداءه قبل أنصاره، هذا الفصيل التاريخي الذي أبان عن صمود وتفان كبير في التصدي بمعية الجماهير الطلابية لكل المخططات التصفوية والبنود التخريبية التي تستهدف الجامعة المغربية والحق المقدس لأبناء الشعب المغربي في التعليم، وقدم في سبيل هذه القضية مئات(المعتقلين السياسيين، المعطوبين، الشهداء...) تضحيات جسام تبقى مضيئة في تاريخه النضالي المديد.
كان لابد من هذه المقدمة المقتضبة لكي أضع ما تعرضت له من تعذيب وتنكيل في سياقه الحقيقي ولكي أبين بشكل ملموس أن الخلفية التي استندوا اليها في اعتقالي لم تكن الأحداث التي وقعت يوم الخميس 24/04/2014، بل هي استمراري في التشبث بالمبادئ التي اؤمن بها ، وانخراطي في كل الخطوات النضالية المدافعة عن مصالح الجماهير الطلابية والجماهير الشعبية .

قبل أن أعود لمجريات اعتقالي وحيثيات التعذيب النفسي والجسدي الذي مارسه الجلادون بكل احترافية، يبقى من المهم إدراج ملاحظة أساسية :
-   سأكتب هذه الشهادة حول ما تعرضت له من تعذيب بكل صدق ونضج نضاليين كما دأب على ذلك كل المناضلين الشرفاء.
بدأت أولى إرهاصات اعتقالي يوم الاثنين 28/04/2014 حيث كنت متواجدا بمدينة المنزل قصد إنجاز الشق الميداني من البحث الذي كنت أعتزم القيام به في الثانوية التأهيلية محمد الفاسي، وللإشارة فهذا الشق الميداني من البحث هو الذي كان يلزمني من أجل نيل شهادة الإجازة بعدما أتممت كل الوحدات المتعلقة بالسنة الثالثة.
في الساعة الثالثة من صباح يوم الاثنين أقدم بعض عناصر المخابرات على القدوم إلى منزلي من أجل التعرف عليه رفقة الرادار المحلي "المقدم" وهذا ما أكده بعض الجيران لعائلتي، ككل يوم عادي وبعد الزوال التقيت بمجموعة أصدقائي في نزهة بالقرب من ثانوية المنزل، بما أن الفصل فصل الربيع لنستمتع بجمال الطبيعة، وبعد فترة فوجئنا بعنصرين غريبين يقتربان منا وهم ينادون هل رأيتم امرأة هاربة معها طفلين، بعدها بقليل رأينا مجموعة كبيرة من العناصر الأخرى تلتحق بهم وتطوق المكان، بعدها انقضوا علينا بطريقة وحشية مقرونة بالضرب المبرح والشتم  والسب آنذاك قاموا بتصفيد يدي إلى الخلف و وضعوا نظارة شمسية على عيني وقبعة فوق رأسي واقتادونا جميعا إلى سياراتهم حيث قاموا باختطافنا إلى وجهة غير معلومة، قبل أن ادرك بعد مدة نصف ساعة إنني على الطريق الرابطة بين مدينة المنزل ومدينة فاس، وأثناء الطريق قاموا باعتماد شتى أنواع الترهيب النفسي (والله يادين مك حتى نصيفطوك لسونطرال) في إشارة منهم أن كل شيء كان معدا سلفا وان المحاضر مطبوخة على المقاس وان المحاكمة هي فقط مسرحية صورية من اجل تمويه الرأي العام وتغليطه بفكرة أن هناك تحقيقا نزيها وان هناك عدالة حقيقية بالمغرب وهذا ما يتبين زيفه بمجرد المرور بتجربة اعتقال توضح أن كل هذه الأشياء هي فقط مساحيق توضع على الوجه البشع للنظام القائم لتسويق صورة مغلوطة إلى الخارج من اجل تمديد أيامه الأخيرة لممارسة إجرامه واستغلاله لأبناء هذا الشعب الأبي .
لحظة وصولنا إلى ولاية القمع بعد سلسلة من الترهيب والتنكيل في وضعية لاإنسانية دامت ساعة ونصف، اقتادوني إلى احد المكاتب في الطابق العلوي، هو مكتب مألوف للجلاد رقم 1 المسمى " عزيز السويري" أول ما تلفظ به الجلاد (ياك قلتلك غادي نجيبوك مرة أخرى) فأمرهم بتعصيب عيني " بالبانضة " وانهالوا علي بالضرب في  مناطق متفرقة من جسدي حتى سقطت على الأرض، بعدها أمروني بالجلوس على ركبتي ويدي مصفدتين إلى الخلف وعيني معصبتين، وللتوضيح فقط، كانت هذه هي الوضعية الوحيدة التي كنت عليها طيلة مجريات "التحقيق والاستنطاق".
في بداية" التحقيق" قال لي الخبير في التعذيب "السي عزيز" :(نتا عارفينك مكنتيش تما فالحقوق، ولكن إلى مقلتيش لينا شكون كان، غادي نعلق دين مك، يالله جاوب؟) فلما أجبت أن لا علاقة لي وأجبت بالنفي، انهال علي بالضرب والرفس والركل في مناطق حساسة من جسمي( الوجه، الكليتين، العنق...) كانت موجة هستيرية لجلادين محترفين وساديين قصد حملي على الإدلاء بمعلومات يريدون سماعها على مقاسهم. استمرت أشواط التعذيب والتنكيل والإهانة واستعمال كل  الأساليب الحاطة من الكرامة الإنسانية، كالتهديد بإحضار العائلة والتنكيل بهم ومحاولة الاغتصاب .
عند حدود الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا، أمرهم بإنزالي إلى قبو الولاية ( وقال لي أنت راسك قاسح وهادشي لي جابك لهنا، سير فكر مع راسك مزيان وغدا طلع ومعاك الجواب ولا غادي نسلخ مك) عندما أنزلوني إلى قبو الولاية النتن رموني في زنزانة انفرادية متسخة بدون أفرشة ولا أغطية ومنعوا عني استعمال المرحاض طيلة الليلة، وعندما سألت رجل القمع المكلف بالحراسة  قال: (عندي أوامر متهدر مع حد ماتشوف حد )، كنت في حالة يرثى لها منهك القوى، في الساعة الثانية صباحا أحضر لي غطاءا نثنا ومتسخا حتى الكلاب المتشردة لا تقبل الاقتراب منه، قضيت ليلة طويلة على إيقاع الألم الناتج عن التعذيب، وعلى إيقاع صراخ المعتقلين وبهرجتهم، ليلة قاسية لم يزر النوم فيها جفوني رغم أنني كنت منهمك القوى. صباح يوم الغد بدأت جولة أخرى من جولات "التحقيق و الاستنطاق"، كان يوما عسيرا مقارنة مع اليوم الأول، اذ أدخلوني إلى المكتب المألوف و الوجه المألوف "عزيز السويري" فقال لي: (شوف أولد... حنا عينا ومافينا ما يطول معاك فالهضرة بزاف إما تجاوب ولا راك عارف شكيتسناك، ألبس قدك يواتيك بلا ملبسوليك طريكو كبار منك ) كان يلمح إلى أن هناك محضرا مطبوخا في انتظاري قصد تجريمي و إقحامي في الملف بأية طريقة، فلما لم يلقى مني أية إجابة أمرني هذه المرة بالاستلقاء على بطني وعيني معصبتين ويدي مصفدتين إلى الخلف كما العادة و قال : ( حنا الز... ماشي كتاب عموميين نكتبو لك اللي بغيتي، نتا عدنا وحنا غنكتبو اللي بغينا وغادي نغرقوا دين مك ونتهناو منك فخطرة ) في تلك الأثناء بدأ بتمديد أطرافي العلوية إلى الأمام من الأصفاد حتى انتفخت يدي وتورمت ولم أعد أحس بوجودها من شدة الألم، استمروا على نفس الحال حتى انقطعت أنفاسي وما عدت قادرا على الحركة و الكلام فقال أحدهم ( صافي رخفوا على الكلب يمشي يموت ) انتظروني حتى عدت لوعي فقال لي الخبير في التعذيب ( راك الز... مازال مشفتي والو )، بعدها قاموا بانتشالي من الأرض  وأجلسوني على كرسي، أمرهم بإحضار قنينة ماء باردة اعتقدت في الوهلة الأولى أنهم سيحضرونها  من أجلي لكي أشرب بما انه كان مغما علي، فلما أحضروها قاموا بصبها بأكملها علي، حتى أصبحت ملابسي مبللة بالماء عن أخرها، فأمرهم مرة أخرى بإخراجي فقال لهم ( ديو الكلب يتبرد ) فأخذوني قرب نافذة يدخل منها ريح شديد البرودة، فتحس كما لو أنك في القطب الشمالي، هذه الطريقة في التعذيب تسمى "غرفة الماء و الريح"، بعد حوالي نصف ساعة من (التبراد) كما كان يحلو لهم أن يصفوها، أدخلوني إلى الجلاد/الوحش لينهال علي مرة أخرى بالضرب والركل والصفع، إلى حدود الساعة الخامسة مساءا انتهت فصول التعذيب الجسدي بوضع آخر لمساتهم على محضرهم المطبوخ والمحمل بالتهم الملفقة، بعدها أنزلوني إلى قبو الولاية حيث سألمح اثنين من رفاقي هما بلقاسم بنعزة وعبد النبي شعول في زنازين متفرقة، عانيت ليلة أخرى من ويلات الحياة البئيسة في الولاية، ليتم تقديمنا صبيحة يوم غد إلى "المحكمة" لأكتشف من خلالها حجم التهم الملفقة الموجهة إلينا، ليقرروا الزج بي مرة أخرى في غياهب السجن السيء الذكر عين قادوس.
وفي الأخير أدعوا كل المناضلين و المناضلات عبر ربوع هذا الوطن الجريح إلى التشبث ببراءة المناضلين الشرفاء من هذه المؤامرة وكشف خيوطها بما هي مؤامرة/جريمة تستهدف طمس تاريخ و ارث نضاليين أكثر مما تستهدف الأشخاص بعينهم، وأدعوا الجماهير الطلابية إلى مواصلة طريقها سيرا على نهج شهدائها من أجل استعادة مكتسباتها التاريخية و إحباط كل المؤامرات و المخططات التصفوية.
الحرية لكافة المعتقلين السياسيين



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق