السجن المحلي
عين قادوس فاس
المعتقل
السياسي: محمد رضى الدرقاوي.
شهادة حول التعذيب
الثلاثاء 14 ماي 2013، كان يوما
جميلا، هادئا و مشمسا، لكن دنس بأبشع الجرائم في حق الإنسانية.
طيلة هذا اليوم الذي تزامن مع
تقديم ثمانية معتقلين سياسيين أمام محكمة الاستئناف، وحي النرجس الذي أقطن به
بمدينة فاس مطوق عن كامله، فأمام المنزل توجد سيارة من نوع "Dacia"
ممتلئة عن آخرها بعناصر القمع السري، أما خلفه فتتواجد سيارة من نوع "Mercedes 190"،
وبعيدا عن المنزل بمسافة تقرب 20 مترا توجد سيارة من نوع "Citroën C4" بها 4
عناصر من الاستخبارات، دون أن نتحدث عن ما يزيد عن خمسة عشر عنصر من الاستخبارات
والاستعلامات العامة تتواجد بمقاهي وبوتيكات للبيع والشراء قريبة من المنزل روجت
فكرة مفادها أنهم متواجدون بتلك الحدة من أجل اعتقال أحد الجيران متهم بدفع شيكات
بدون رصيد.
طيلة هذا اليوم معاناة نفسية جد
رهيبة، فأنا ومعي باقي أفراد الأسرة كنا نعلم بهذا التطويق، كنا ننتظر فقط اقتحام
البيت من أجل اعتقالي، كانت أمي تبكي خوفا من اعتقال ابنها وفلذة كبدها. وبعد ترقب
وانتظار كبيرين، ومع حلول الساعة 23h30 تقريبا، قررت أنا وأخي الذي يصغرني سنا
الخروج من المنزل على متن دراجة نارية من نوع "spirit"
متوجهين إلى حي السعادة، لنفاجأ بعد ما لا يزيد عن 3 دقائق من انطلاقنا بملاحقة
هوليودية نراها ونشاهدها فقط في أفلام الرعب والأكشن، فالسيارات الثلاث التي أشرت
إليها تلاحقنا يسرعة جنونية مروعة ساكنة الحي لتصدمنا بقوة جد شديدة من الوراء
بسيارة "Citroën C4" وتلقي بنا أرضا ليبدأ مسلسل الركل
والرفس بكل همجية وعنف فائقين منذ لحظة الاعتقال، والمشهد الأخير الذي أتذكره جيدا
والذي لن أنساه والذي سيبقى حاضرا أمام أعيني طيلة حياتي هو صراخ أخي يونس وهو بين
أيادي الهمجية "طلقوا خويا رضى، واعتقوا رضى أعباد الله راهوم
غايقتلوه".
تواصلت عملية الضرب والتنكيل بكل
قسوة لمدة تقارب 10 دقائق ليتم حملي في الأخير في سيارة "Mercedes 190" وينقل
أخي في سيارة "Citroën C4" وبعدها في سيارة قمع من نوع
"صطافيط"، وفي طريقنا لولاية القمع، عناوين كثيرة ازدحمت في ذهني،
تساؤلات واستنتاجات، أساليب التعذيب الأكثر وحشية، ردود فعل العائلة، تفاعل الرفاق
والرفيقات والجماهير الطلابية مع خبر اعتقالي، وفي الطريق دائما توقفت السيارة
أكثر من ثلاث مرات، وفي كل مرة يأتي "مسؤول" قمعي برتبة كبيرة للتعرف
علي، وهي ثوان للتعرف علي لتنطلق السيارة إلى وجهتها المعلومة – أي ولاية القمع –
، ومع وصولنا إلى هاته الأخيرة وجدت حالة طوارئ، فأكثر من 10 عناصر تابعين
للاستعلامات العامة، كانوا يتواجدون بتظاهرات ومسيرات 20 فبراير بفاس كانوا
مجتمعين في مكتب واحد، كانت مهمتهم الأساسية التعرف علي.
صعدنا 23 درج بالتمام والكمال –
أنا و4 عناصر من الاستخبارات – انعطفنا
يمينا ثم يسارا لنصل إلى المكتب الذي ارتكبت فيه الجرائم في حق المعتقلين
السياسيين، إنه نفس المكتب الذي سالت فيه دماء عمر الطيبي، أسامة زنطار وعبد النبي
شعول....
ابتدأ مسلسل الاستنطاق، وأنا
مكبل اليدين إلى الوراء وجالس على ركبتي، بالأسئلة الشخصية، لننتقل بعدما لا يزيد
عن 15 دقيقة إلى ما سماه أحد الجلادين "الدوزان للمعقول"، أول الأسئلة
كانت حول الشكل النضالي بمدينة المنزل وتواجدي به والدور الذي كان مناطا بي القيام
به، بالإضافة إلى كيفية التواصل مع الاطارات والهيئات المناضلة التي كانت متواجدة
هناك (الجمعية المغربية لحقوق الانسان – فرع المنزل، الجمعية الوطنية لحملة
الشهادات المعطلين، الحركة التلاميذية وعائلات المعتقلين السياسيين من طبيعة
الحال) "شكون اللي قرر يدير الشكل تما؟ كيدرتي مشيتي؟ كيدرتو للتعبئة؟ علاش
ماشي نتا اللي عطيتي الكلمة ديال لجنة المعتقل؟ ..." ناهيك عن باقي الأسئلة
المماثلة، مصحوبة بالضرب على الوجه والمناطق الحساسة بالخصوص، بعدها بمدة انتقلت
الأسئلة لتشمل واقع المركب الجامعي ظهر المهراز والخطوات النضالية التي تخوضها
الجماهير الطلابية بمعية مناضليها الشرفاء، بما فيها المعركة النضالية بكلية
الآداب التي قطعت أشواط جد متقدمة وصلت إلى حدود مقاطعة امتحانات الدورة
الاستثنائية المشبوهة، أسئلة كانت مركزة حول تواجدي بالمعركة ومدى اسهامي واسهام
باقي المناضلين في انجاح خطوة مقاطعة الامتحانات، أسئلة تركزت كذلك حول المواجهة
مع قوى القمع وطرق تدبيرها "شكون اللي كان كا يواجه فكلية الحقوق؟ شكون اللي
كان كايناقش مع الطلبة ديال فاس أيام المواجهة؟ شكون اللي كان مكلف بالعلوم،
الآداب، الساحة؟؟"، تواصلت الأسئلة وتواصلت معها الاستفزازات وتواصل معهما
الضرب والتنكيل والتعذيب الجسدي والارهاب النفسي على أشده.
وفي حدود الساعة 05h00 صباحا ثم إنزالي إلى "لاكاب" لأفاجأ بإشاعة نشرها
"مسؤولو" القمع أني فلاح –ويا للعجب – بأحد ضواحي مدينة فاس، وقمت بقتل
أحدهم ولهذا كنت ألبس "جلابة" ومصفد الأيدي للوراء وجالس على ركبتي،
ولهذا كذلك كنت أتعرض لذلك التعذيب والضرب الذي كان يسمع بقوة للمعتقلين رهن
الحراسة النظرية بـ "لاكاب".
وما هي إلا ثلاث ساعات نوم –
أعني أرق وألم – حتى أتى أحد رجال القمع المسمى "حسين"، رجل طويل
القامة، ذو شارب كبير، يدخل سجارة "Marlboro" يحاول
أن يلعب دور الرجل اللطيف فيطلب مني "شي ڭارو أ رضى؟ بغيتي الماكلة آمر،
بغيتي تشرب آمر، أنا فالخدمة ديالك"، ليصعدني إلى مكتب التحقيق مرة أخرى،
ليتم ضرب موعد آخر مع التعذيب، لكن هذه المرة مع "ابداع"
و"تفنن" و"إتقان" كبيرين لهذه العملية.
دخل الجلاد من باب المكتب، دخل
الابن البار لأسياده، دخل "عزيز السويري"، "عميد ممتاز بسلك الشرطة
القضائية" صاحب قامة قصيرة، بدين ويحمل نظارات ولا تفارقه سيجارة "Marlboro" من
يده، كانت أول كلمة نطقها الجلاد "مرحبا بالسي إرنسطو عندنا، يا عاد ونتا
عندنا فشهر 8، إيوا أجي نوريك أولد القحـ...، الملك كايخسر مليار على الحيوانات
ديالو، أجي نوريك أالز... الأجهزة القمعية للنظام وأجي نوريك مك مزيان واهيا واهيا
واللي حاكما مافيا"، ابتدأت الأسئلة والاستنطاقات هذه المرة حول موقفي من
النظام القائم بالمغرب، موقفي من الصحراء الغربية، وكذا انتمائي السياسي إلى النهج
الديمقراطي القاعدي.
هنا وبالضبط وجب أن نتوقف ولنقرأ
بتأني كبير ولنشخص إنسانيتنا، فالجريمة ستنفذ، وهنا ما يفزع ويبكي ويجعل الأبدان
تقشعر.
فمع دفاعي عن موقفي وموقف
القاعديين من النظام القائم بالمغرب كنظام لاوطني لاديمقراطي لاشعبي وجب النضال من
أجل اسقاطه والاستعاضة عنه بنظام وطني ديمقراطي شعبي تسود في فعلا الديمقراطية
وقيم الحرية، الكرامة والعدالة الاجتماعية، وكذا الموقف من قضية الصحراء الغربية
حيث يملك الشعب الصحراوي المقاوم الحق في تحرره وتقرير مصيره، ومع اعلان انتمائي
إلى النهج الديمقراطي القاعدي كقوة ثورية تناضل داخل وخارج الجامعة، مع كل هذا دشن
الجلاد عملية التعذيب، وأول ما قام به "السيد عزيز السويري" هو تجريدي
من ملابسي بأكملها حتى أصبحت كيوم ولدتني أمي، كان بالمكتب ما يقارب 8 عناصر
استخبارات، الكل يضحك والكل يستفز، كانت عملية الضغط النفسي جد رهيبة من أجل
التنازل عن المواقف التي أعلنتها، تواصلت عملية تجريدي من الملابس بشكل كلي لما
يزيد عن 30 دقيقة وبعد أحذ صورة لي وأنا مجرد الملابس لغرض في نفس يعقوب، قام "السيد
عزيز السويري" بما أسماه "غير عزيتي عليا وصافي، أما نغتاصب مك أالز...
نيشان، ماشي بحال اللي درنا لهرمومو"، فقمت بلبس الملابس الداخلية الخاصة بي
ومع ذلك استمرت عملية الترهيب النفسي والاستفزازات الحاطة من كرامة الانسان (أشنو
أولد القحـ... نغتاصبو دين مك دبا؟ نتا فالحبس غانوصيوهم يطيرو بيك ويديرولك موسم
لالة العروسة)، في ضرب فاضح كذلك لكل الشعارات التي يرفعها النظام القائم في
المحافل الدولية منها والوطنية، في ضرب فاضح كذلك لكل المواثيق والمعاهدات الدولية
(الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 والعهدين الدوليين الصادر سنة 1966) وفي كشف
وفضح بدا واضح للطبيعة القمعية الحقيقية للنظام القائم بالمغرب.
"دار الخير"
"السيد عزيز السويري" مرة أخرى وسمح لي بارتداء سروالي، ثم قام بدهن مادة مرطبة على وجهي أولا لتغطية آثار
الضرب على وجهي الذي تحول لونه من الأبيض إلى الأزرق خاصة الجهة اليسرى منه بشدة
الضرب – والذي لازال لحدود هذه اللحظة تبدوا عليه بشكل واضح آثار الضرب – ثم قام
بدهنها ثانيا على الجهة الفوقية من جسدي لعدم ترك آثار التعذيب عليه فالآتي
والقادم أسوأ وأقسى، وفي هذه اللحظة كنت منهك جسديا بشدة وقسوة الضرب حيث ظلت يداي
وقدماي ترجفان طيلة مدة التعذيب، ولم أكن أقوى على التحرك أو حتى الوقوف عليهما.
استمرت الجريمة إلى حدود أبعد من
ذلك، فقد استلم السيد "عزيز السويري" ومعه أربعة جلادين آخرين طريقة
للتعذيب من سجن "غوانتانامو" السري، حيث فرضوا علي الاستلقاء على ظهري
على أريكة من خشب (نفسها التي استعمل فيها "الشيفون" للمعتقلين
السياسيين عمر الطيبي – جابر الرويجل – وعبد النبي شعول) ثم أعطى سيدهم "عزيز
السويري" الأمر إلى الجلادين ليتكلفوا مهمة تمديد أرجلي في اتجاهين مختلفين،
بشدة الألم كنت أحس أن رجلي سوف تقتلعان من مكانهما بشدة تمديدهما في اتجاهين
مختلفين، والجلادون الآخرون يتلذذون برؤيتي أعذب، إنها فعلا قمة السادية، فمنهم من
يدخن سجارته "Marlboro"، ومنهم من يرتشق قهوته السوداء، أما
"الشاف ديالهم عزيز السويري" فقهقهاته تسمع من بعيد، ويقول بالحرف
"ياله بينلي الصمود أولد القحـ....، هاد النهار نصيفط مك معوق لحي التوبة"،
بعدها بمدة انتقل المشاركون في الجريمة أحدهم يحمل اسم "أنور" لتمديد
يداي بنفس الطريقة، ولازلت إلى حدود كتابة هذه الأسطر أعاني من عملية التمديد،
بالخصوص على مستوى اليدين، فلا أقدر على تحريكهما واستعمالهما بشكل طبيعي.
بعد الانتهاء من هذه الجريمة
المرتكبة في حقي، قلت "للسيد عزيز السويري" أن الدستور الذي يتغنى به
النظام الذي يخدمه ينص على أنه لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو النفسية لأي شخص
كان من طرف أي هيئة كانت عامة أو خاصة، ليكون الرد هو الضرب على أذني اليسرى حتى
أصبحت أسمع صوت الصفير فيها، ولازلت لحدود كتابة هذه الأسطر بالسجن السيء الذكر
عين قادوس – حي التوبة رقم الزنزانة 9، لا أسمع سوى صوت الصفير مع العلم أني طالبت
لدى "قاضي التحقيق" بإجراء خبرة طبية على أذني، وافق عليها، ولكن لم يتم
اجرائها لحدود الآن، إذ يتضح أن "السيد قاضي التحقيق" ينتظر أن تشفى
"منها لراسها".
وفي سياق "الحديث
والنقاش" مع "السيد عزيز السويري" عن مضامين الدستور أثيرت النقطة
المتعلقة باستقلال السلط بالمغرب، وتأكيدي أنه لا يمكن الحديث في المغرب عن
استقلال فعلي للسلطة القضائية مثلا، عن باقي السلط، وذلك لعدة أسباب منها انشاء ما
يسمى "المجلس الأعلى للسلطة القضائية"، الذي يعين الكمبرادور "محمد
السادس" سبعة أعضاء منه، من بينهم رئيسه، منها كذلك ما يتعلق بتبعية
"النيابة العامة" "لوزارة العدل" في جميع مستويات القوة
الثبوتية كذلك التي تكتسبها محاضر "الشرطة القضائية" بعد "هيئة
الحكم"، وأمانة مني وحتى أكون موضوعي أنقل لكم بالحرف ما قاله
"السيد/العبد عزيز السويري": "الله ينعل طبـ.... مك نتا وهاد
استقلال القضاء وحقوق الانسان اللي كتهدرنا عليها، أراك فالمغرب أوجه الز... ماشي
فالسويد، غنفرع مك اعصى ونعذبك ونغتصبك ونصيفط مك شحال ما بغيت ديال الحبس، وما
كاينش لي يدير شي قلـ... راه حنا جنود ديال سيدنا وهو مواصينا، ومن حدنا كاندافعوا
عليه غانكونوا حنا هوما الضحية ونتوما هوما المجرمين يا الرباعة ديال الخونة"
حقا وحقيقة تهرب كل الكلمات وتفقد كل المعاني وترفع الأقلام وتجف الصحف، أنها
خلاصة لحقيقة هذا النظام اللقيط الجاثم على صدور شعبنا، الناهب لثرواته، والحاط من
كرامته.
في هذا الجو المرعب والموحش قرر
المجرمون المحترفون تنفيذ جريمة أخرى في حقي، فبعد فبركة الملف وتلفيق ما لذ لهم
وما طاب من التهم حيث اقتصر الأمر على احضار ملف رفيقي في النهج الديمقراطي
القاعدي والمعتقل السياسي عمر الطيبي وتغيير أمور شكلية فيه تتعلق بالاسم الشخصي
والعائلي والسيرة الذاتية، مع اضافة أو ازالة بعض التهم الملفقة. وبعد الانتهاء من
عملية التلفيق طالبوا مني التوقيع على المحضر الذي لم أقرأه، والذي أعلم جيدا أنه
مفبرك، فكانت إجابتي هي الرفض المطلق لهذه العملية، فكان الرد هاته المرة أشد قسوة
أحد وأحد كرامة، فقد تم أخذي إلى المرحاض المجاور للمكتب الذي يتم فيه الاستنطاق،
ودون أن أدخل في التفاصيل الدقيقة هذه المرة، فالأمر كان جد مقزز ووجهي كان يتم
ادخاله في الحفر الخاصة بوضع الفضلات، ومع ذلك لم أوقع على المحضر، ولم أتنازل عن
مواقفي التي اعلنتها من النظام القائم بالمغرب، والصحراء الغربية وكذا انتمائي إلى
النهج الديمقراطي القاعدي، رغم كل أشكال وأساليب التعذيب الجسدي والارهاب النفسي
الذي مورس في حقي، لأن في مثل هذه اللحظة المحك يقيس المناضل بشكل خاص، والانسان
بشكل عام - وبدون أوهام ذاتية أو أنانية مفرطة وبعيدا عن رفع الشعارات - مدى قدرته
الالتزام بمبادئه ومواقفه والدفاع عنها حتى آخر نفس.
وبالنظر إلى طول مدة التعذيب
وتنوع أساليبه يمكن ويحدث أن أنسى تفاصيل صغيرة، لكن وجب أن أشير إلى أنه ولسبب
مجهول، تم تصوير فيديو لي وبالقوة ومدته لا تتجاوز الدقيقة وأنا أمشي ذهابا وايابا
ورائي حائط أبيض، لابسا "T-shirt" أخضر وسروال رمادي، ويداي وراء ظهري،
مع أثار الشك والفضول عندي هو أن المسمى "عزيز السويري" همس إلى الشخص
الذي كان مكلفا بكتابة المحضر/تلفيقه والمسمى "يونس" أن يقوما باستدعاء
أحد عناصر "الشرطة العلمية والتقنية". وبعد انتهاء الاستنطاق والتعذيب
وأنا لا أقوى على المشي مستقيما، نقلت مرة أخرى إلى جحيم "لاكاب"، حيث
الوضع جد مزر هناك، تنعدم فيه أدنى شروط النظافة، ورائحة البول مختلطة برائحة
العرق، فرائحة الأرجل الغير مغتسلة ثم رائحة التدخين، كونت مزيجا كاملا من الروائح
الكريهة أدى بي إلى نصف اغماء داخل الزنزانة رقم 14 دون أدنى مبالاة من طرف
"المسؤولين عن هاته الحفرة اللئيمة"، والذين بالمناسبة أخذوا كل الأكل
الذي تم احضاره لي من طرف عائلتي، حيت ظللت 48 ساعة تحت التعذيب والضرب والرفس
والتنكيل وأنا خاوي الأمعاء تماما.
بعد طول انتظار وبصعوبة كبيرة
أشرقت شمس يوم الخميس، ليتم عرضي أمام "محكمة الاستئناف" أمام
"الوكيل العام للملك" ومن بعده أمام "قاضي التحقيق"، ليقرر
ايداعي بالسجن السيء الذكر عين قادوس، لألتحق بباقي المعتقلين السياسيين بحي
التوبة رقم الزنزانة 9، المضربين عن الطعام لمدة 10 أيام، لألتحق بدوري في هذه الخطوة
النضالية يوم الجمعة 17 ماي 2013 على الساعة 20h00، وذلك على
أرضية مجموعة من المطالب يأتي على رأسها اطلاق السراح الفوري واللامشروط.
أشير قبل أن أختم، أن كتابتي
لشهادة التعذيب هاته، ماكان أغناني عنها لولا أنهم يتبجحون بشعارات "حقوق
الانسان"، "العهد الجديد"، "الدستور الجديد"،...إلخ، ليس
من منطق الدعاية أو الهزل، بل من منطق الجد والجدية، ومحاولة الاقناع ورسم الصورة
الملائكية لدى الرأي العام الدولي بالخصوص.
آمل أن أكون قد استطعت ولو في
حدود معينة أن أخرج لكم أيها الرفاق وأيتها الرفيقات أيتها الجماهير الطلابية حجم
الجريمة التي ارتكبتها الأجهزة القمعية في حقي، أثناء أو بعد اعتقالي وأن تزيد من
تأكيدكم على الطبيعة القمعية للنظام القائم بالمغرب.
وصيتي إليكم جميعا هي الثبات على
موقف المواجهة والمقاومة في وجه النظام، هي المزيد من الصمود والمقاومة، والمزيد
من تعميق الارتباط الجذري بالجماهير، أنا متأكد ومعي باقي الرفاق أن التاريخ سوف
ينصفنا يوما وإن أنكرنا المنكرون، وسوف ينصفنا وإن أداننا المدينون، سوف يذكر أننا
لم نجبن ولم نقصر، بل ضحينا بالأغلى، ضحينا بحريتنا ولازلنا مستعدين للتضحية في
حدود أكبر من هاته، سواء داخل السجن أو خارجه، فإما أن نكون أو لا نكون، إما أن
نعيش عظماء فوق الأرض أو نعيش عظاما تحتها.
فلنصنع ثورة
شعبنا
فلنصع ثورتنا
فلنصنع التاريخ
أحييك عاليا يا رفيقنا الغالي ، رغم القمع و رغم السجون لا زلنا صامدون و بالنضال منتصرون على هذا النظام
ردحذف