فاس بتاريخ 11
ماي 2013
السجن المحلي عين قادوس بفاس
المعتقل السياسي: عبد الحق
البوطي
رقم الاعتقال: 83152
شهادة حول
التعذيب
في
سياق المعركة النضالية الباسلة التي عرفها الموقع الجامعي الصامد ظهر المهراز منذ
بداية الموسم الجامعي الحالي (2012-2013) على أرضية ملف مطلبي واضح وشامل، صاغته
الجماهير الطلابية بمعية مناضليها، وأمام تعنت ادارة الكليات الثلاث (خاصة كلية
الآداب) في معالجة تلك المشاكل. ستقرر الجماهير الطلابية خوض مجموعة من الأشكل
النضالية منذ بداية الموسم (اعتصامات، تظاهرات داخل الجامعة وخارجها، مقاطعات متفرقة،
اضرابات عن الطعام،...) وذلك بهدف الضغط على الادارة لتسوية كل المطالب العاجلة
والملحة، إلا أن الادارة وكعادتها فضلت انتهاج اسلوب اللامبالاة، والتهرب من
المسؤولية، لكن في مقابل ذلك، أبت الجماهير الطلابية إلا أن تواصل معركتها
النضالية بإصرار وعزم كبيرين، ومن جهتها فإن الادارة واصلت سياسية شد الحبل حينما
خرج عميد كلية الآداب بقرار تعسفي وانفرادي يقضي بإلغاء امتحانات الدورة الخريفية،
ضاربا بعرض الحائط كل القوانين والمراسيم المنظمة للامتحانات، وفي انتهاك صارخ لحق
الطالب في اجتياز الامتحان، ودون أن تقيم أدنى اعتبار لمبدأ المشروعية الذي ينبغي
أن تتحلى به قرارات الادارة والمؤسسات العمومية، ودون أن تراعي أدنى اهتمام لتأثير
مثل هذه القرارات على مستقبل الآلاف من الطلبة.
لكن منطق التصلب في المواقف الذي
انتهجته الادارة ومحاولتها فرض سياسة أمر الواقع ضدا على ارادة الجماهير الطلابية
أدى إلى تأجيج الغضب الطلابي، وبالتالي تصعيد الفعل النضالي، الشيء الذي فرض على
الادارة التراجع عن قرار الغاء الامتحانات، لكن في مقابل ذلك أعلنت عن اجراء
الامتحانات في دورة استثنائية واحدة، كإجراء سياسي لمعاقبة الطلاب على نضالاتهم،
غير أن الجماهير الطلابية كانت قد أعلنت رفضها القاطع للامتحانات الاستثنائية من
خلال نقاش موسع انعقد قبل اعلان الادارة عن قرارها.
مباشرة بعد عودة الطلاب من
العطلة وكان ذلك يوم الاثنين 15 أبريل 2013، أي يوم اجراء الامتحانات المشبوهة،
فوجئ الطلاب بتطويق وحصار قمعي رهيب مضروب عن الجامعة وعلى كافة المنافذ المؤدية
لها، (وخاصة كلية الآداب)، وذلك بهدف اجبار الطلاب على اجتياز الامتحان المشبوه
ضدا على رغبتها.
لكن بالرغم من الترسانة القمعية
الهائلة التي حطت الرحال بالموقع الصامد، فإن الجماهير الطلابية استطاعة انجاز
مقاطعة الامتحانات بنسبة 100% صبيحة يوم الاثنين أي اليوم الأول من
الامتحان، أمام ذهول وحيرة واستغراب "المسؤولين الكبار" في الأجهزة
القمعية، و"عميد الكلية"....
وحتى لا تخرج أجهزة النظام تجر
ذيول الهزيمة أمام صمود الطلاب والطالبات، فقد شرعت مع الساعة 12h في إخلاء الحرم الجامعي وكليتي الحقوق والعلوم من الطلبة من أجل
التحكم في الأوضاع من جديد، وهكذا بدأت ترسانة ضخمة من القوى في مطاردة الجماهير
الطلابية في شتى الجهات من خلال ملاحقة مشهدها يذكرني بالأفلام الهوليودية.
وكانت نتيجة هذه المطاردات إلقاء
القبض على مجموعة من الطلاب والطالبات على مستوى النادي الجامعي، وكليتي الحقوق
والعلوم والساحة الجامعية، بحيث نالوا النصيب الأوفر من العنف المفرط الذي أدى إلى
اصابات بليغة ومختلفة الخطورة، مع الاحتفاظ بالبعض كمعتقلين.
إذن في هذا الجو المرعب الذي
عانت منه الجماهير الطلابية بموقع ظهر المهراز، طيلة النصف الأخير من شهر أبريل
المنصرم، تم اعتقالي يوم 19 أبريل 2013 على الساعة الخامسة مساءا، عندما كنت متجها
نحو مقر سكناي بحي ليراك، ومنذ اللحظة التي تم اعتقالي فيها أمام الباب الرئيسي
لكلية الحقوق قرب معمل "الغاسول"، انهالت علي قوى القمع بالضرب المبرح
في مختلف أنحاء الجسم مع الركل والرفس والصفع، ومن شدة الألم ارتميت بيدي على عصى
أحدهم فأسقطوني بقوة وبوحشية على الأرض مما تسبب لي بجروح غائرة على مستوى الركبة
اليمنى فضلا عن كدمات كبيرة على مستوى الكفين، وبعدها مددوني على بطني وصفدوا يدي
خلف ظهري، وصاروا يعنفونني ويشتمونني بالكلام النابي مع التهديد بالاغتصاب... تم
اقتيادي بشكل لا انساني نحو "الصطافيط" والهراوات تتهاطل بقوة على ظهري
وكتفي وعلى أنحاء جسدي بدون رحمة ولا شفقة، حتى هاتفي النقال لم يسلم من العنف،
حيث تفتت إلى عدة أجزاء نتيجة الضرب العشوائي.
وبمجرد ما اقتادوني إلى
"الصطافيط" وجدت عناصر أخرى تنتظر دورها للتنكيل بي، فتم رميي بشكل همجي
أمام غابة من أرجل القوى القمعية، وهناك بدأ شوط آخر من الركل والرفس والصفع
والكلام الساقط، وغيرها من أصناف المعاملة القاسية الماسة بالكرامة الانسانية.
وبعد ذلك بقليل سوف تنطلق
"الصطافيط" مباشرة نحو "كوميسارية" الدكارات قرب شارع تونس،
وبمعيتي حوالي 9 عناصر من القوى القمعية.
وأؤكد لكم أنه على طول المسافة
الفاصلة بين كلية الحقوق و"الكوميسارية" المذكورة أعلاه صاروا يتفننون
في شتمي ونعتي بمختلف الأوصاف الحاطة بالكرامة تارة مع الركل والرفس والصفع تارة
أخرى، وبمجرد ما وصلت السيارة التي كانت تقلني إلى "كوميسارية" الدكارات
اِنْقَذَّتْ علي عناصر قمعية أخرى يفوق عددها 16 عنصر وشرعوا في تعنيفي بطريقة
همجية على كافة أنحاء جسدي، خاصة على مستوى الساقين والفخذين والذراعين والصفع اللكم
على مستوى الوجه حتى تكسرت نظارتي، وبعد ذلك مددوني مرة أخرى على الأرض وبدأوا
يسألون عن هويتي ومعطياتي الشخصية... بعدها ساقوني إلى سيارة أخرى وتوجهوا بي نحو
"الولاية" وعند وصولي إلى هناك
استقبلوني بالسب والشتم ومختلف النعوت والأوصاف الجارحة مع الضرب باللكم والركل
والصفع، وبعد دقائق قليلة صعدوا بي وأنا مصفد اليدين إلى احدى الطوابق، وبدأ
الاستنطاق والتحقيق من خلال توجيه مجموعة من الأسئلة كانت تدور في بداية الأمر حول
المعطيات الشخصية، وعندما انتقلوا بي إلى مكتب آخر وضعوا قطعة من الثوب على عيني
"البانظة" لكي يحجبوا عني الرؤيا تماما، آن ذاك بدأوا يوجهوا لي مجموعة
من الأسئلة ذات الطابع السياسي، من قبل: "متى التحقت بالقاعديين؟"،
"ولما التحقت بالقاعديين ولم تلتحق بفصيل آخر؟"، "ما هي الأسماء التي
تنشط بالفصيل القاعدي؟"، "من هي الأسماء التي تكتب البيانات والبلاغات
والمناشير وتوزعها؟" "ما هي الجهات التي تمولكم؟"، "ما هي
علاقتكم بحزب النهج الديمقراطي؟"، "من كان يحرض الطلبة على الاحتجاجات
والتظاهرات ومقاطعة الامتحانات؟"، "من خطط للمواجهات أثناء مقاطعة 15
أبريل 2013؟" ... وغيرها من الأسئلة. أذكر أنه طيلة أشواط التحقيق ومراحله،
تظاهرت أمامهم وبينت عن عجزي عن الاجابة عن مثل تلك الأسئلة، وكانت حجتي دائما
أنني غير مؤهل للإجابة عنها، كما أكدت لهم أن القاعديين تنظيم سياسي مغلق، ولا
يمكن لمن هب وذب أن يطلع على أسراره... إلخ.
وبعدما عجزوا عن انتزاع اعترافات
مني عن طريق المعاملة اللينة، انتقلوا إلى اسلوب آخر يقوم على التهديد والترهيب
بقولهم: "إما غادي تقول كلشي، وإما غادي تقول داك شي بزز منك" فتشبت
بإجابتي السابقة وقلت لهم: "ربما أنتم تعرفون من هم القاعديين أكثر مني، وأنه
ليس لدي ما أقول حول القاعديين، وأنه من حقي أن ألتزم الصمت حسب مقتضيات (الدستور
الجديد)" فضحك مني المحقق بسخرية مقيتة وقال لي: "سيكون لك شأن كبير في
مهنة المحاماة إذا ابتعدت عن القاعديين" في محاولة منهم لدفعي للمساومة على
مبادئي وقناعاتي.
وأثناء استمرار التحقيق
المراطوني الذي استمر حتى ساعات متأخرة من الليل، اصبت بانهيار عصبي فسقطت على
الأرض فناد المحققين على أربعة حراس، وأمروهم بإنزالي إلى الطابق الأرضي
"لاكاب"، وفعلا أنزلوني وألقو بي في إحدى الزوايا، ولما استيقضت من
غيبوبتي طلب مني أحدهم أن أنزع حذائي وجواربي وحزامي، إلا أنني رفضت رفضا قاطعا
اعتقادا مني أنه سيتم تنفيذ تهديداتهم باغتصابي... غير أن أحد سجناء الحق العام
الذي كان يتواجد قربي بإحدى السراديب قال لي أن هذا الإجراء هو اجراء عادي يقوم به
الحراس قبل ادخال السجناء إلى السراديب، آن ذاك نزعت حذائي وجواربي وحزامي، وفي
آخر لحظة فتشني أحد الحراس وأدخلني إلى أحد السراديب المظلمة والمكدسة بسجناء الحق
العام، وهذه السراديب هي عبارة عن زنازن صغيرة ومهترئة تنبعث منها روائح كريهة،
وتفتقر لأبسط الشروط الانسانية، بحيث لا تتوفر لا على منافذ للتهوية ولا على
انارة، كل ما تتوفر عليه هو اسمنت أرضي شديد الإتساخ ومليء بالأوبئة والحشرات التي
تختبأ تحت الأفرشة المتعفنة... زنزانة أقل ما يمكن القول عنها أنها لا تصلح حتى
للصراصير، نظرا لغياب أبسط الشروط الصحية التي تراعي الكرامة الانسانية... لكن
بالرغم من أنني معتقل سياسي فإنه مع ذلك، تم تكديسي فيها بمعية معتقلي الحق العام
وأغلبيتهم من ذوي السوابق الجنائية ومستهلكي المخدرات السائلة والصلبة، وعثات
اللصوص الذين كانت أصواتهم تكسر الصمت الذي يخيم على جدران الزنزانة... ولما أخد
مني التعب مأخذه اضطررت أن أنزوي أمام قضبان الزنزانة، فوضعت حذائي تحت رأسي وقضيت
بقية الليل كلها هكذا مع بقية أحذية سجناء الحق العام.
ولما استيقظت في الصباح الموالي
أحسست بغثيان شديد مع صداع نصفي حاد على مستوي رأسي، إلى درجة أن حاستا السمع
والشم تعطلت مع رجات قوية على مستوى القلب والصدر نتيجة الأغطية شديدة الاتساخ،
ورطوبة الزنزانة والجراثيم والأوبئة التي كانت تملئ المكان.
ومع الساعة الحادية عشرة من
اليوم الموالي جاء أحد الحراس ينادي بإسمي، ثم قام بتصفيدي وصعد بي مرة أخرى نحو
الطابق الثاني أو الثالث، فاستقبلني أحد المحققين بطيبوبة ورقة مقصودة بغية
استدراجي إلى ما يريدون أثناء التحقيق، فقال لي المحقق المذكور: "صباح الخير
ألبوطي واش فطرتي أولى مزال" فأجبته بالنفي، فحاول أن يقدم لي قطعة حلوى
وقليل من الحليب الذي كان فوق مكتبه، فرفضت، فقال لي: "ماذا تريد؟" فقلت
له: "أريد أن تحيلوني على المحكمة في أقرب وقت"، فقال لي: "سوف
نحيلك عليها لما ننهي التحقيق معك".
وبعدها انتقل ليطرح علي نفس
الأسئلة حول الامور التنظيمية المتعلقة بالقاعديين، والتمويل ومصادره وأسئلة أخرى
حول حركة 20 فبراير وعلاقتي بها، وما هي الأماكن والمدن التي كنت أرتادها...؟ فرفضت
الإجابة وكنت أكرر دائما نفس اللازمة، أنني لا أعرف شيئا عن القاعديين وما يدور
بداخله، آن ذاك انتقل إلى طرح أسئلة ماكرة من نوع آخر، حتى يعرفوا توجهي السياسي
والاديولوجي، وهكذا طلبوا مني أن أعطيهم قائمة بأسماء الكتب التي قرأتها منذ
التحاقي بالجامعة إلى حدود لحظة اعتقالي، فبدأت أسرد عليه عناوين بعض المؤلفات
والأبحاث في التخصصات القانونية... فقاطعني وقال لي: "نحن نريد أن تحكي لنا
عن كتب رواد الفكر الشيوعي التي قرأتها" فأعطيتهم عناوين بعض الكتب من قبيل:
أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة، البيان الشيوعي، رأس المال، مرض اليسارية
الطفولي، من هم أصدقاء الشعب، ما العمل، الاشتراكية والمرأة، الاسلام
والاشتراكية... فقال لي أحدهم هل تصلي، فقلت له نعم أصلي وأقوم بكافة واجباتي
الدينية.
وبعدها أخذوني إلى مكتب آخر
فوجدت محضرا معدا سلفا من خلال ذاكرة الكترونية "USB"
جاهزة، حيت اكتفوا فقط بحذف المعطيات الشخصية لمعتقل سياسي آخر وأضافوا إليه إسمي
الشخصي والعائلي ودون أن يمكنونني من الاطلاع على مضمونه وما يتضمنه من تهم
ملفقة... فأمرني أحدهم بالتوقيع على المحضر، فطلبت منه إعطائي نسخة منه كي أطلع ثم
أوقع، فرفضوا رفضا قاطعا، فقلت لهم بدوي: لو خيرتموني بين الشنق والتوقيع على
المحضر لأخترت الشنق عوض أن أوقع، فقال لي أحدهم: "والله حتى توقع بزز
منك"، غير أن رئيسه أمره بإنزالي مجددا إلى "لاكاب".
وفي اليوم الثاني أحالوني على
"الوكيل العام للملك" وعلى "قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف"،
عندها ذهلت لحجم التهم التي تتابعني بها "النيابة العامة"، ومن بين
التهم الصورية التي لفقت لي أذكر لكم ما يلي:
-
التجمهر المسلح بالشارع العام وتنظيم مسيرات احتجاجية
بدون ترخيص.
-
عرقلة السير العادي بالشارع العام بوضع متاريس بالطريق
ومنع القوات العمومية من مزاولة مهامها.
-
الضرب والجرح العميق في حق موظفين عموميين أثناء
مزاولتهم لمهامهم وإراقة دمهم بواسطة الرشق بالحجارة مع إلحاق أضرار مادية لملك
الدولة.
-
السرقة وإلحاق خسائر مادية بملك الغير....
إنها فعلا تهم ثقيلة وكان الأفضل
أن يضيفوا إليها تهمة أخرى تتعلق بصناعة القنابل النووية وقصف المنشآت العمومية
حتى تكتمل مسرحيتهم المفضوحة.
تصورا معي رفيقاتي أن طالبا يحمل
قلما ومواقفا ومبادئا وأفكارا نبيلة مستنيرة يتابع بتهم من هذا الحجم في ظل
"دستور يقال عنه دستور متقدم، دستور الحقوق والحريات" !!!؟ طبعا إنها تهما مجانبة لا يمكن أن يصدقها حتى المجانين فبالأحرى
أن يصدقها السادة المحامين والسادة القضاة الشرفاء والنزهاء الذين يعرفون تماما
كيف تطبخ المحاضر في مخافر الشرطة وكيف تمر عبر كافة أشواط التحقيق والمحاكمات الصورية.
هل فعلا هذه ضمانات المحاكمة
العادلة التي يتحدثون عنها في قانون المسطرة الجنائية وفي الدستور الجديد؟
أترك لكم الجواب رفيقاتي ورفاقي
وللرأي العام لكل المهتمين بمجال حقوق الانسان.
تحية النضال
والصمود
لا سلام لا
استسلام .. معركة إلى الأمام
الحرية لكافة
المعتقلين السياسيين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق