الأربعاء، 28 مايو 2014

في 25 ماي 2014/ السجن المحلي عين قادوس-فاس/ المعتقل السياسي: عبدالوهابالرماضي/ شهادة حول التعذيب ( الجزء الثاني)

السجن المحلي عين قادوس-فاس في 25 ماي 2014

 المعتقل السياسي: عبدالوهاب الرماضي
رقم الاعتقال: 89794

شهادة حول التعذيب ( الجزء الثاني)


       II.     حيثيات التعذيب ووحشية الجلادين بمخافر ولاية  القمع بفاس:
... لن يختلف عاقلان على  أن نجاح المعركة و تحقيق المطالب، لن يخدم إلا الطلبة و الطالبات من أبناء الشعب المغربي، وسيشكل وفاءا للتضحيات التاريخية وحصانة للأجيال المستقبلية،وبالمقابل فذلك سيشكل هزيمة للنظام و المتحلقين حوله، وللقوى الظلامية التي تتربع على رأس حكومته ،وتهديدا حقيقيا لمصالحهم، التي هم مستعدين لسفك الدماء من أجل تحصينها، كما حصل تاريخيا، وكما يحصل اليوم، وسيحصل في المستقبل، مادام هذا النظام العميل جاثم على صدور الشعب المغربي.
كان مطروحا في مستقبل المعركة، أن يمتد اعتصام كلية العلوم نحو الساحة الجامعية على شكل " مخيم للمشردين"مع ربط ذلك بملف ساكنة حي " الليدو" الشعبي، الذين يعانون نفسهم من الهدم و الترحيل بقرارات وشروط مجحفة، إضافة إلى العمل على تطوير عمل لجنة المعتقل، ثم اللجن النضالية المؤقتة، في أفق بلورة خطوات وطنية. في هذا المنعطف بالذات من تطور المعركة النضالية، جاءت مؤامرة النظام و القوى الظلامية، بهدف اجتثاث القاعديين، وخلق توازنات سياسية جديدة، تضع الخونة و المجرمين في مصاف " الابرياء" و " الشرفاء"، وتجرم المناضلين الحقيقين الذين لم يتوانوا يوما في تقديم أسس التضحيات في سبيل قضية الجماهير المسحوقة، وذلك لقطع الطريق أمام أي تطور نضالي حقيقي، يخدم قضايا الكداح و المعدمين، و ليترك المجال مفتوحا لتمرير مخططات الاقصاء و التصفية، ومن ثمة الاجهاز على ما تبقى من مجانية التعليم.

نفذت المؤامرة بعد إنزال مسلح للقوى الظلامية ( بيادق حزب العدالة و التنمية) بالساحة الجامعية و الكليات الثلاث منذ يوم الاثنين 21 أبريل 2014، أي بعد الاعلان عن ندوة وهمية، لم تكن إلا غطاءا لتنفيذ مؤامرة اجتثاث القاعديين، بتواطؤ مع أجهزة النظام التي قامت بتطويق  الجامعة بمختلف تلاوين القمع السرية و العلنية، و انطلقت بعد ذلك مسلسل الاعتقالات و المداهمات ، و المطاردات و الملاحقات، مصحوبة بحرب إعلامية مسمومة، خاضتها  جهات عدة و الاعلام الرسمي و الاقلام المأجورة ، حرب تثبت بالملموس أن ترتيبات المؤامرة و أطرافها كانت معدة و محددة مسبقا و لاتنتظر  إلى رفع الستار، ودق الطبول، لتخرج إلى الوجود و الرأي العام، لكن و لسوء حظها، اعترى خروجها المشبوه، الكثير من الممسوخ و الكذب، و العديد من المفارقات و المغالطات، وزاد من فضحها، استمرار الجماهير الطلابية بظهر المهراز في المعركة النضالية و تشبتها بمناضليها، من خلال الاشكال النضالية اليومية و المستمرة، وكذلك تحرك المناضلين الجدريين و الشرفاء و الاقلام الحرة، ومجموعة من الاطباء الذين حركهم الضمير المهني، ورفضوا الانخراط في حملة الاجماع المزعوم من أجل عزل النهج الديمقراطي القاعدي و إدانته واجتثاثه .
طالت  الاعتقالات مجموعة من الرفاق، منذ يوم الخميس 24 أبريل 2014 ، وجاء اعتقالي يوم الأحد 11 ماي ، كان الاستقبال حافلا داخل ولاية القمع ، من طرف وحوش بدون ضمير، و بعقول مغسولة، في صور آدمية، لاتجد ذاتها إلا في ممارسة التعذيب و التنكيل، و الانتقام من مناضلين، هم بالنسبة لهم كابوس يارقهم، وهم علقم مر في حلقهم، بفضل تضحياتهم و عطاءاتهم النضالية إلى جانب الجماهير الطلابية خاصة و الشعبية عامة. جلادون محترفون، سعداء بتنفيذ مؤامراتهم، ومستعدون لممارسة إجرام وحشي آخر، مادام المدخل موجود بالنسبة إليهم، والضوء الأخضر متوفر، فلم تمر إلى فترة قصيرة من الاستنطاق حتى دخل الجلاد الكبير " عزيز السويري"، فواجهني بكتابات سابقة كتبها  المناضلون عنه و عن ما تعرض له المعتقلون السياسيون من تعذيب على يده، وقال : " اسمع الز... هادشي كتبتوه عليا... وهاشكون أنا... أنت كتعرفني مزيان... و أنا كنعرفك مزيان.. كن جيتي فشي لحظة أخرى شيباسماكاين .. أما دابا، والله يامك حتى نطحنك... وغادي نلبسك الجلابة لي عمرك ما لبستيها... أوغادي نوري مك النظام اللاوطني آشكايعني، والثورة آشكاتعني..." لينطلق بعد ذلك الصفع و الركن و الرفس على الوجه و كامل الجسد، مصحوبا بمعزوفة من المصطلحات و التعابير البهيمية و البدائية و الحاطة بالكرامة الإنسانية .
ونطق أحدهم " اسمع أسي عبد... مصيرك بن يدينا ، راه كلشي كيتكاد عندنا هنا، بالستيل وانقدرو انفكوك، وبالستيلو انقدرو انصايفطوك تغراق فالحباسات..." ويسترسلون في أسئلتهم " نعرف جيدا من تكون ولا يمكن أن تأتي إلى هنا هكذا... ماسر مجيئك؟ أين كنت متواجدا طيلة الفترة الماضية؟ ومع من؟ ومن كتب البيان الفلاني و المقال الفلاني...؟ في كل مرة لا يعجبهم الجواب ينهالون علي بالضرب  بمختلف جسدي، وكانوا يركزون لكماتهم على مستوى البطن، أشعر بعدها بالدوار و الآلام الحادة  كان هذا عنوان اليوم الأول، ليقول لي الجلاد " عزيز السويري" " سأمنحك فرصة لتفكر جيدا فيما قلته لك، وغادي تولي، وغادي نتفاهموا مزيان، ثم انزلوني إلى " لاكاب"، زنزانة كلها نتنة تنبعث منها روائح كريهة  ستحيل معها ومع آلام التعذيب النوم، لأقضي ليلة سوداء داخل إحداها.
وفي اليوم الثاني، وحوالي الساعة التاسعة صباحا، أصعدوني مباشرة إلى مكتب الجلاد "عزيز السويري"، الذي ابتدأ استنطاقه المعهود بالسب و الشتم و مصطلحاته الحقيرة الخاصة به، وقال " واش فكرتي فداكشي لي قتلك أولا"، وحين كان الجواب بالرفض، شمر عن أكتافه، واتجه نحوي" أنت ماشي راجل... غادي نتكرفس على أمك مزيان، وعارفك غادي تمشي تكتب بحال صحابك... ولكن والله ياولد القح...حتى نتقبك، واخا تكون هادي هي المرة الأخيرة ديالي هنا في فاس"، " أسمع أز... داكشي ديال حقوق الانسان زيدوه فكر... هنا راها القرعة و الزرواطة و الح..." و انطلقت أولى فصول التعذيب بالصفع و الركل من مختلف الجهات ، و الأسئلة تتقاطر حول ندوة 28 مارس ، و الجهات و الأطراف المشاركة فيها، و التحضيرلها ؟ و لماذا شعار " مهام اليسار الجذري"؟ و من هي الاطراف و المواقع المقصودة باليسار الجذري؟ وماهي الاشياء التي كانت ستطرح خلالها ؟ وماعلاقة الندوة باللجن النضالية المؤقتة؟ ومن هم المشرفون عليها؟ ثم ماهي علاقتكم بالتيار الفلاني و من هم أصحابه؟ وماهي علاقتك بالمناضل كذا و المناضل كذا؟ في إشارة إلى مناضلين سابقين مروا من التجربة؟ وماهي طريقة اشتغالكم و تواصلكم؟... وصولا إلى مؤامرة القوى الظلامية، و أين كنت متواجدا؟ وماذا فعلت؟ و أين كان فلان و علان و ..؟ وماهي علاقة فلان و فلان بذلك؟
كلها أسئلة تناسلت باسترسال طيلة يوم كامل، كان حافلا بأشواط التعذيب الوحشي، فبعد أن وضعوا '' البانضة" على عيني، بدأ الصفع و اللكم على مستوى المناطق الحساسة من جسدي، بعدها أقعدوني على الركبتيك، وقام أحدهم بالوقوف على رجلي و يدفعوني إلى الأمام ثم إلى الوراء، وهي عملية مدروسة، أشعر خلالها و كأن أمعائي ستندرف إلى الأمام، ثم جاءت  بعدها العملية الثانية و التي تسمى " تمديد الأطراف"، أحدهم برجليه على عنقي، ومسك القيد" المينوط" بيديه، و أنطلق في تمديد يدي و جرهما بوحشية، تارة إلى الأمام و تارة إلى الوراء، ويقول لي إن أردت الكلام عليك أن تحرك رجليك، و من شدة الآلام كنت أصرخ، وكلما زاد صراخي، تزداد وحشيتهم و اصرارهم على مواصلة إجرامهم، جرى ذلك لمرات عدة، وحين كان يغمى علي، كانوا يديرون رأسي و يصبون الماء على وجهي و في فمي ثم يعيدونني إلى نفس الوضعية، كانت مظاهر الانتقام واضحة من خلال كلامهم،" دين مك داير فيها زعيم... ومكاتخليناش نرتاحوا..."، وبين الحين و الآخر، كان أحدهم يمسك بسروالي و يحاول نزعه و يقول " هاد نهار نرد أمك عروسة..." في إشارة إلى الاغتصاب، بعدها أجبروني على أن أجلس " القرفصاء" و أنا مصفد إلى الوراء و معصوب العينين، لمدة طويلة، و يأمرنني بأن لا أحرك رجلي، وحين كانتا ترتعشان من شدة العياء، كان يوازيه شوط من الصفع و الركل بشكل وحشي بمختلف أماكن جسدي، بعدها جاءت عملية أخرى تسمى " الفروج" في أدبيات الجلادين، حيث  بطحوني على بطني و رفعوا يدي و رجلي دفعة واحدة إلى السماء، ويقوم أحدهم بالضغط برجليه على ظهري، كنت حينها أشعر بالدوار، و كأن جسدي مقصوم إلى جزأين، و من شدة الألم لم أعد قادرا حتى على الصراخ، وهم يتلذذون بذلك، و يقولون بطريقة استفزازية " أحمد أكمراد... تحياتي كمراد..." ،واش قاري رأس المال ديال ماركس و الجزء الخاص ب "corporation "، حينها مددوني على الأرض، ومن شدة التعذيب لم أعد أقوى على تحريك أطرافي، وسمعت أحدهم يقول " عندك يكون مات لينا هاد الخر... هنا" ،" جروه لهيه عند الحائط.."، تركوني لفترة قارب الساعة، ثم عادوا من جديد، بأسلوبهم المعتاد، وفي لحظتين، تجسدان قمة السادية و الاجرام، أولاها، وضعوا " البانضة" حتى على أنفي، كان من المنطقي أن لايخرج صوتي بصورة طبيعية، كانوا هم يقهقهون وينهالون علي بالضرب ويقولون " أهدر مكاد أولد القح... كيفما كتهدر فالحلقية" ، وثانيها و هي الأكثر إجراما، حين أوقفوني عند ركن إحدى الغرف، ونزعوا ملابسي كلها، باستثثناء الملابس الداخلية، ثم بدؤوايضربونني على الاماكن الحساسة من جسدي و يقومون بحركات استفزازية، ويقول أحدهم " أنت دين أمك غيزا... القح... باركين كايجمعوليك المساهمات (الفلوس) أنت داير فيها زعيم، أكتكتب و ..."، و أنا في هذه الحالة و بطريقة استفزازية اتصلوا بعائلتي و أخبروها بأنني رهن الاعتقال، وغدا سأقدم للمحاكمة... بعد كل هذا, شوط آخر من التعذيب النفسي كله ديماغوجية،" اسمع السي عبد... انت انسان ، ودماغك فشكل...وعقلك زوين، راك قادر تمشي بعيد خاصك تفكر فراسك شوية"، وبدأ يناقشني حول " العنف" و " الفكر الاقصائي"، والقوى الظلامية، و الحالة المغربية و اختلافها عن كل من الجزائر و تونس و مصر و ليبيا و سوريا و لبنان...، و بعد ذلك أنزلوني إلى لاكاب إذ كانت الساعة تقارب منتصف الليل.
وفي اليوم الموالي قدمت لدى محكمة الاستئناف بملف مطبوخ على المقاس، ومليء بالتهم الصورية و الملفقة، وعند قاضي التحقيق طالبت بإجراء خبرة طبية على ما تعرضت له من تعذيب، إذ كانت آثاره لاتزال بادية على جسدي، لكن الطبيب لم يزورني داخل السجن إلا بعد مرور 11 يوما، و الأكيد أنهم كانوا ينتظرون حتى تنمحي آثار التعذيب، و إلى حدود كتابة هذه الشهادة، لازالت أعاني من الآلام الحادة على مستوى الظهر و الصدر، إذ أجد معها صعوبة كبيرة في التنفس بشكل طبيعي.
وها أنا الآن إلى جانب رفاقي داخل سجن عين قادوس في ظروف اعتقال صعبة، ملؤها المرارة و المعاناة، نواصل المشوار خلف الاسوار، رافعين التحدي في وجه النظام و الظلام، مستعدين لتقديم كل التضحيات، مستعدين للاستشهاد في سبيل قضايا شعبنا، ومن اجل كشف حقيقة مؤامرة اغتيال النهج الديمقراطي القاعدي، وقطعا لن تدون إلا ملاحم البطولة و الصمود داخل  سجون الرجعية.
وآخيرا وليس آخرا، أرفع شارة النصر عاليا، و أحييي كل الطلبة و الطالبات و الرفاق و الرفيقات بمختلف المواقع الجامعية، وأناشدهم على مواصلة طريق التضحية و الصمود، وتفجير المعارك النضالية، و إحباط كل رهانات النظام و القوى الظلامية وكل الاعداء و المتكالبين، الرامية إلى اجتثاث الفعل النضالي و الاجهاز على ماتبقى من مكتسبات أبناء الشعب المغربي، كما أحي المناضلين(ت) الجدرين و مناضلي(ت) حركة 20 فبراير، والجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، وكل الغيورين والمبدئيين و المخلصين، وكافة المعتقلين السياسيين وعائلاتهم.

صمودا الآن... صمودا دوما...حتى النصر.
سأقبل أرض زنزانتي لأنها جزء من وطني
الحرية لكافة المعتقلين السياسيين
النصر لشعبنا والهزيمة لأعدائه



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق