الخميس، 30 أكتوبر 2014

في: 27أكتوبر2014/ سجن عين قادوس -فاس-/ المعتقل السياسي: عبد النبي شعول -عبد الله-/ رقم الاعتقال: 89538/ -الحلقة الثالثة والأخيرة-



سجن عين قادوس                        في : 27أكتوبر2014
     - فاس-
المعتقل السياسي: عبد النبي شعول - عبد الله-
رقم الاعتقال: 89538
-        الحلقة الثالثة والأخيرة-
-        ماذا نريد؟!
             مبدئيا، ليست لدي أي رغبة ذاتية في أن أوحي لأي كان بصورة مظلمة ويائسة عن حاضرنا، والأحرى عن المستقبل، إنني على عكس ذلك أدفع إلى غيره تماما، ولكن بدون سذاجة طفولية في التفاؤل، إذ أن أخطار المستقبل، انطلاقا من وقائع الحاضر، كثيرة، ومن يغفل أو يتغافل هذ الحقيقة، لا يفعل أكثر من تأجيل ما هو حتمي الوقوع، والفرق في مواجهة هذه الأخطار بين اليوم وغدا، وهو أننا سنضيع فرصة ثمينة لإيقاف تطور الفيروس عند بداياته وقبل استشرائه وتغيير شكله. كما سنفوت أيضا على هواة الصيد في الماء العكر فرصة الانتعاش من جديد، وما أكثرهم اليوم أولئك الباحثون عن تبرير لعفشهم وخيباتهم السافلة وتزيين سقط متاعهم.
ولهذا قررت أن أكتب، قررت أن أتناول قلمي المتواضع لأهتك بكارة بياض صفحات الحلقة الأخيرة من السلسلة الثلاثية، بعد مرور ستة أشهر من الاعتقال بالتمام والكمال.. وربما لن أتوقف عن الكتابة رغم أنني لا أملك إلا ثقة نسبية في الكلمات حتى عندما أتلمس جميع أوجه معانيها لأتيقن من عدم انزلاقها في تراكيب الحذلقة، عندما أنظمها، أجدني أعيد قراءتها و أعيد حتى أتأكد مرة أخرى من أن ما كتبته ليس معتما ولا غريبا على الأعماق المشتركة لعذاباتنا وآمالنا.
بهذا الحجم تأخذ الكتابة مسؤوليتها، آنذاك يستحيل علي أن أتهرب أو أن أرضى بالجزئيات وتوافه الكلام، آنذاك أصبح قادرا على الدفاع عن كل كلمة، كل جملة، وإذا أمكن يجب أن أعمل على أن تستقل كلماتي بالدفاع عن نفسها حين تتوجه إلى حساسية كل واحد منا لنتفاعل معها مثل تلك الفرقعة الأليفة للمطر الذي لا تستغني عنه الأرض.
      إذن، ماذا أريد!!.. أريد حياة بلا ظالمين.
. مصطفى... الضوء والطريق:

    جاءت المؤامرة كما خُطِّطَ لها: إجرام و إرهاب.. عنف و دم.
    جاءت الشهادة على عادتها: صمود وتحدي.. نبراس و بوصلة.
    لم يكن مصطفى مزياني اسما، إنه قضية، هو القضية.
    نابع من صلب هذا الشعب الذي قال، لا. واحترف الشهادة.
    ثمن صعب هو الشهادة، لكن ليس أي كان يقدر أن يكون شهيدا.
    في المخافر، في السجون، في المستشفيات.. اغتالوك يا رفيقي..
    لم يكفيهم أنهم يرون جسمك العنيد يتآكل يوميا.
   ويختار موته- حياته.. مجده الخالد.
   عجبا، لم يقرؤوا فنائهم في اغتيالك.
   رحيلهم.. في رحيلك.
   هزيمتهم.. في استشهادك.
   هكذا يختار كل واحد موته.
   أنت الشهادة..
   هم الجريمة..
  ثم ماذا بعد؟
لا تسألوا!
أما نحن: مصطفى.. ضوء الطريق.
هم الجلادين القتلة..
هم النظام والعصابات الظلامية... هم أعداء القضية.
هم أبطال مؤامرة 24أبريل...
هم محترفي الدسائس وصناع كل المؤامرات...
هم صناع المآسي والفواجع والنكبات...
نحن المعتقلين السياسيين... نحن أسرى الحرية.
نحن رفاق الشهيد مصطفى.. الضوء والطريق.
نحن نبض شعب مقموع ومسجون.
.متى نستمع إلى معتقلي الحرية.. ونتعلم من شهداء القضية؟!
          كفاية يا "صديق".. كفاية يا "رفيق".. تمهل قليلا.. توقف قليلا عن التبجح والثرثرة، وابتعد قدر ما استطعت عن استعمال لغة الخشب، وتعلم لغة الجدل، لغة الحياة والتاريخ، مكانك الصراع لا خارجه، هويتك المقاومة لا غير، تمرد على اليأس، قاوم فكر الأزمة والبؤس، صفي الحساب مع الحسابات الضيقة والأحقاد الشخصية والأمراض النفسية، واجه الإشاعة بالحقيقة، لاتدع نفسك عرضة للضياع والانهيار والتفسخ، لا تترك دماغك مختبرا لتخصيب السموم والأكاذيب وإنتاج الأضاليل وعزف السمفونيات السمجة.. كثيرة هي مناطق الإنسان التي تحتاج للبعث من جديد، كم من نوافد عليه أن يفتحها في قلبه وعقله، كم من قدرات لازالت لم تنعتق من الكهف الجليدي.. إذن أسلك طريقا أخرى غير طريق النعامة أو التحايل والمناورة الذي يفضله البعض عوض المواجهة، عوض تحمل المسؤولية في تقديم المسار إلى الأمام،... هنا قف قليلا قبل أن ترحل إلى مزبلة التاريخ.. قف! لتشاهد، وتكون شاهدا على جنون  اللحظة الآنية، على البحر الذي تتكسر أمواجه الواحدة تلة الأخرى أمامنا، على هذا الصرح الذي قد يهدم فوق رؤوس الشرفاء نتيجة آفات التخاذل والجبن المقرف، مؤسف أن تفعل المستحيل لترضي/ لتنقد شخصا ما! وفي النهاية تكتشف أنه باعك.. ومن يبيع الثمين بلا ثمن، سيشتري حتما الرخيص بأغلى ثمن... قسما لن أواصل تقبلي المعهود لعب دور إطفائي الحرائق بين أبناء الجلدة الواحدة، سأُطَلِّقُ دور الماسح لفضاء ألف العفونة والعبث، من الآن فصاعدا لست دفتر وسخ أحد، لن أخضع مرة أخرى لبؤس الأوامر،.. تركت رقمي خلف الباب... باختصار، لم أعد أطيق الاحتراق من أجل الجبناء، من أجل ممارسات ضعاف القناعات ومهزومي الإرادة.. إذن لنشرع في التهيؤ الحقيقي، إننا مقبلين على سفر طويل.. وهذا إذا كنا نعرف جيدا الرحلة التي قادتنا إلى حيث نحن، يبقى لنا أن نكشف الكثير، ورحلات أخرى تنتظر.
.. توقف قليلا قبل أن ترحل في طريقك غير المأسوف عليه أبدا... لتسمع معنا صراخا من نوع جديد، نتراشق بالكلمات، غير بعيدين عن صراع الديكة المضحك... نصرخ حيث يذوب صراخنا بين حناجرنا وفناجين قهوة، ترتعش أجسادنا ضخمة –هنا- وأخرى مستلقية على رمال شاطئ سياسي محروس –هناك- مجهز بأحدث صيحات مواد التزيين والمكياج ومعدات التجميل، أجساد تنتعش في حيوية وسط شوارع وقصور فخمة متكئة على آهات شعبنا، غارسة جذورها وأنيابها السامة في قوت عرق ودم المسحوقين،..
    كالعادة، يأتي المعتقل السياسي القاعدي وحيدا، يحمل آمالا ومطامح عريضة موشومة بعذابات زمن طويل، آمال ومطامح في مستقبل سرعان ما خبا وميضه أمام أبصار المهزومين وعيون اليائسين، التي استحالت خبط عشواء لكثرة ما تعرضت له من رماد وضباب كثيف حملته معها رياح الوقائع السافلة.
   يأتي المعتقل السياسي القاعدي وحيدا مرة أخرى لأنه ألف الرحيل من ساحة حرب إلى ساحة حرب أقسى وأعنف، وألف الغدر والطعن من الخلف، وألف أن يكون متهما في مساحة الأسنان الرشيقة، وفريسة مختارة للذئاب الملتحية الجائعة، يأتي.. ليحمل فجيعته الآلف بعد...، ذلك لأن زمانيته مليئة بالمحن والتحديات، بالاغتيال والسجون والمذابح، من اغتيال إلى مذبحة، ومن مذبحة إلى اغتيال، كل المذابح واحدة، ما دام المنفذ واحد  رغم اختلاف القناع، وإن كان يتغير ويتبدل في اللون والشكل...
. 24أبريل.. ظهر المهراز:
          الفضاء الذي رسمته الذاكرة عبر شرائط هذا الزمن، يتكرر، ويعاد، وكأنما قدرنا هو أن نعيش على فتات الصدمة والمأساة، وآلام الجراح الغائرة، وأن نبحث عن مفعولاتها، على المستوى السياسي والوجودي العام، هل هذا هو قدرنا؟! هل هذا جزاء تاريخي عادل أم أن القضية تبدأ من ذلك، أم النصر من رحم المعاناة يولد، خصوصا إذا نظرنا إلى هذا الجسم وهو يشتعل أمامنا منذ زمن طويل، يطلب بإلحاح أن نستمع، وأن ننصت له أكثر، إذن ليست المسألة تكمن في إعادة صرخة أخرى مفعمة بالإدانة، بل هي مسألة استماع الآخر، في نحيبه وفي بكائيته، في حبه وفي عشقه، في نضاليته ومبدئيته، في طبيعة مشروعه السياسي.. في ممارسته وفكره اليانع.. في الأجواء المحيطة به والتي تربطه بالعالم، بنا.. نحن.. كيف ذلك.. لا أحد منا ينسى أو ينكر أن الجسد القاعدي، جسد سياسي مناضل مقاوم منذ صرخته الأولى، سافر عبر خيوط من نار، سلك دروبا وأزقة شاقة، جمع توليفا من المعاناة والآلام و الاستهدافات، جرَّبَ كل أنواع الاستنطاق والتعذيب والقهر والحصار والحضر ومازال، استأنس بكل اللغات، وتعقَّم ضد كل الضربات، عشقه أصحاب القضية ورفضه خصومها، سفر مليء بالأشواك، بالألغام، فهو رسم آخر طقوسية جديدة مع الوطن والأرض والحياة والاستشهاد و.. إلخ.
مرة أخرى يُعَلَّبُ الدم القاعدي ويرسل إلى السجون والمستشفيات والمخافر ثم القبور بتأشيرة من الفاشيست، والمكان هو نفس المكان –قلعة ظهر المهراز الأبية- والقاتل هو نفس القاتل، والأدوات هي نفسها، إنه زمن رصاص وجمر ثان، باسم ماذا هذا الإجرام والتعليب؟ قالوا باسم "الدستور الجديد"، قالوا باسم " الانتقال الديمقراطي"، قالوا باسم "دولة الحق والقانون"، قالوا باسم "السلم الاجتماعي"، قالوا باسم "محاربة الإرهاب والعنف"، قالوا باسم "جودة التعليم"... أي دستور هذا؟ أسلم هذا أم هي حرب إبادة؟ أي حق هذا وأي قانون؟ أي تعليم هذا، الذي يرسل طلبته في عمر الزهور جثثا هامدة إلى المقابر؟ يرسل خيرة شباب البلاد بالشواهد وبلا شواهد إلى عالم البطالة والإلقاء بهم على رصيف الحياة حفاة عراة؟ أي وطن هذا؟ صحيح ما قاله مظفر النواب :" وطن تحكمه الأفخاذ الملكية؟ هذا وطن أم مبغى؟"... كم هو قاس على أبنائه، كم هو قاس على عشاقه! يا وطني الجريح.. كم من جرائم طالت أبنائك الأوفياء من قبل مغتصبيك تحت ذريعة الدفاع عن "أمنك ووحدتك"!! إن مغتصبيك هم السباقون إلى تحجيمك، وبيعك بالتقسيط في المزاد العلني مجزأ بأحجام مختلفة إلى قطع الماخور والأفخاذ الشريفة، إلى قواعد عسكرية للأعداء، ومراكز التعذيب والاستنطاق ونشر الرعب والإرهاب، لحم- شحم للآلات أيدي العبيد، وطن يصبح فيه كل طريق فخا، والسجون تعلن عن اكتظاظها، والجامعات تعلن خرابها وعطالة خريجها،... وشعب بأكمله يفرغ يوميا من دمه،... هم السباقون إلى قتل آخر أمل فيك، ولهذا.. ليست مسألة صراع واستهداف بل مسألة إبادة واستئصال للوجود القاعدي، للوجود الثوري الماركسي اللينيني، للوجود الأصيل لشعبنا.
     ولأن العدو لا يستطيع أن يقتلع فكر المقاومة ويعدم المقاومون ضربة واحدة، فإنه يخنقه، يحاصره، يجفف التربة من البذور المستنبتة للسواعد المقاومة، فقرر العدو أن يستهدف هذه التربة الخصبة بالأسمدة المضرة، أن يقصف كل الزهور الفواحة، لكن أرض القلعة معطاء، رحم القلعة خصب،.. فأصبح يحض على محاسبة النوايا واعتقال الأفكار في الدماغ ومحاصرة الضمائر والأقلام الشريفة ومداهمتها ليل نهار دون تردد، وتقيد الأحلام وسجنها، ومصادرة الأسرار والطموحات وإجهاضها في مهدها.. وينطلق كالكلب المسعور في مطاردة وملاحقة كل مناضل قاعدي، كل معارض، كل ناقم ومستاء من الأوضاع،.. كل إنسان يتمتع بحس الكرامة ويناهض الظلم... ومن فرط وحشيته وعمالته، يواصل كعادته التحريض على إعدام " الإرهابي" الذي لم يولد، مفترضا، مند البداية ، إن كل مناضل قاعدي هو "إرهابي" بالسليقة .
إنها لعبة مفضوحة حدودها "الإرهاب" و "مكافحة الإرهاب" ، لم تكن ظهر المهراز الأبية إلا حلقة من حلقات النزيف المغربي ، الذي تصاعد ببطولية فائقة ، حتى كاد البعض أن يصدق ما وقع فيها شيئا واقعيا ، بل هو ضرب من ضروب الأسطورة ... هكذا و بدم شاروني بارد ، تم وضع زهور يانعة في قفص حديدي كي يتفرج و ينتظر الفاشيون اصفرارها و دبولها ، وقتها تكلف آخرون يشبهون الصهاينة في الفكر و الممارسة ، لكن هده من طائفة تسم نفسها بالطهرانية الإسلامية و الاصطفاء الرباني ، طائفة من البشر ترى المستقبل في كهوف الماضي المظلم ، مستقبل مبني من خردوات الماضي متخلفة و عوائد عبودية عتيقة و المقدمة زورا و رياء على أنها الدين الأصيل، تلك الخردوات التي لم تزد منظر الفراغ سوى تشوها، و قبحا منفرا.
هده الجماعة الإرهابية المنتهية حاضرا عند الحمولة الداعشية بكل تقيحاتها و أورامها المتعفنة، استلمت الخنجر من شارون المغرب لتنفد مسلسل الجرائم في مقدمتها جريمتي الاغتيال و الاعتقال.
         و من السجن إلى شتاء المبيت و الاعتصام المفتوحين، إلى معركة الجماهير بساحة القلعة و امتداداتها في الصراع العام، صمود و شموخ و نكران ذات و اعتزاز متواصل بالهوية و شرف الانتماء.. إلى يوم الخميس الأسود 24 أبريل، يوم محاولة إعدام هدا الجسم المناضل العنيد الذي تمسك بخط المقاومة و المواجهة في زمن الردة و الخيانة و مبايعة العدو ، و انبرى مدافعا لوحده عن تاريخ و إرث أجيال من أبناء و بنات شعبه، كما يتمسك و يدافع دالك الفلسطيني عن فلسطينيته- فليسطين الثورة- كيف نقرأ هذا الفارق الأخرس بين الضحية و الجلاد، بين المتآمِر و المتآمَر عليه ، بين الجاني و المجني عليه، بين المتواطئ و المنفذ و المدبر ... و الضحية ؟؟!.
لا ادري كيف أجيب عن هذا الفارق؟ افتقد إلى كل عناصر الإجابة ؟!.
و لكن ..
       ألا يكفي هذا السفر الطويل على أعمدة الاغتيال و القمع الأسود و أشواك التآمر و الغدر و الخيانة، أم أن للسفر متطلبات و ضرائب ؟أم أن السفر محطات يقبض فيها على الهوية و المشروع المنشود و الوطن و الحلم كي لا ينفلت؟.. كل المسالك الوعرة و الدروب الشائكة جربتها أيها القاعدي، حتى كاد جسمك أن يمسي مكانا لاحتضان الضربات الموجعة المعادية و "الصديقة"، و لم تعبث، و لم تستسلم، بل قلت كلمة واحدة -هي أن التاريخ شاهد علي و عليكم -   و تجاسرت بجراحك كي ترسم بها خارطة الفرح، بعيدا عن كل وصاية أو ولاء مشبوه و عبودية .
     لن يستطيع أحد أن يستأصلك هنا أو هناك مهما حاول، مادام هذا الجسد قد ضاجع الصعاب و المحن بكل تفاصلها، و نسج منها قصيدة و أغنية للمستقبل، و تعلم و علم صور العشق و الوطن و الحرية و الآمال... و وشم في الذاكرة و التاريخ اسمه، لذا فهو جسد خلاياه تتجدد باستمرار، و لا ترهبه السجون و سنواتها و المشانق و حبالها لأنه استأنس التضحية و طقوسها، و استأنس بشاعة الفرح و الحزن معا، و عيونه تتربص أفق الوطن الأحمر، و لأن كذلك فإنه يعلم أن القاتل واحد و الضحية واحدة .
           إنه هو الضحية... فلا مفر من الدفاع عن وجوده و بقايا جسده، هل هذا قدرك أيها القاعدي أم أنك تعبت من هذه الكلمات.. إذن انصرف إلى حراسة حلمك الوحيد و عرسك.. حلم و عرس كل ضحايا القمع الطبقي.
  فمتى نستمع إلى معتقلي الحرية .. و نتعلم من شهداء القضية ؟!
        متى...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق