سجن النظام الرجعي عين قادوس فاس
المعتقل
السياسي: عبد الوهاب الرماضي
20 فبراير :
المحطة الخالدة... والمسار الحافل بالملاحم و الدروس
أربع سنوات مرت على يوم مشهود من
تاريخ شعبنا، يوم انتفضت الجماهير المسحوقة وخرجت في مسيرات حاشدة إلى الشوارع و
الساحات مجسدة حلقة نوعية من مسيرتها التاريخية نحو التحرر والانعتاق.
أربع سنوات مرت على انطلاق نهوض
جماهيري ثوري غير مسبوق ببلادنا، ليعاود ويعمق انبعاث الأمل الوهاج في إحلال مجتمع
الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، مجتمع خال من القمع و الاضطهاد. إذ انتفضت
جماهير شعبنا ضدا على التردي الشامل لأوضاعها الاجتماعية و السياسية، وعبرت عن
إرادتها في اقتلاع الاستغلال من جذوره.
أربع سنوات دشن خلالها النظام صفحات
جديدة في سجل تاريخه الدموي، وعدائه الصارخ لشعب مكافح يطمح إلى العيش الكريم،
وسجلت جماهير شعبنا صفحات جديدة من المقاومة و الصمود، كما فعلت في 58، 59، 65،
81، 84، 90 ...، وأسقطت أوراق التوت الأخيرة عن عورات الإصلاحيين و الانتهازيين،
المؤمنين بـ "العهد الجديد" و " الهامش الديمقراطي " ...
أربع سنوات، أكدت بالملموس، الحقيقة
العلمية والتاريخية، بكون شعبنا، لا يمكنه أن يتحرر، ويشيد سلطته، إلا بدك النظام
الذي سلبه حريته وكرامته، واستباح دماءه، واستنزف خيراته وثرواته، وهو ما يعكسه
شعار الشعب يريد إسقاط النظام.
اندلعت انتفاضة 20 فبراير ببلادنا،
في سياق المد الثوري بالمنطقة الذي لم يسبق له مثيل، إذ اندفعت الشعوب المضطهَدة
بالملايين إلى الشوارع، وأعلنت ورفعت بقوة شعار " الشعب يريد إسقاط
النظام"، فأبدعت في أساليب النضال، واعتمدت الانتفاض والتظاهر والاعتصامات
المليونية ( ميدان التحرير بمصر )، واستطاعت أن تزيح رأس النظام "بتونس"
و "مصر"، وكان ذلك بمثابة خطوة أولية في مسلسل ثوري لم يكتمل بعد، بحكم
تداخل مجموعة من الشروط الذاتية و الموضوعية و التاريخية، وكان لهذا المد تأثير
هام على المستوى العالمي.
وما أن انتشرت شرارة المد الثوري،
وبدأت تظهر إرهاصات الفرز الواضح، و المعارك الطبقية الحاسمة، حتى سارع الثالوث
الامبريالي الصهيوني الرجعي، إلى الإجهاز على هذا المد بتطوراته وإفرازاته، وإلى
تحريف مساره، فحرك القوى الظلامية، وتدخل بشكل مباشر عبر درعه العسكري الضارب (
حلف النيتو)، وحدث ذلك بأبشع صوره في العديد من البلدان وفي مقدمتها ليبيا وسوريا،
فحشدت الشعوب و أُبعِدت عن الميادين، وأصبحت اللعبة الامبريالية تدار بالمكشوف على
حساب أشلاء الملايين من الكداح والمعدمين.
وقد أثبتت القوى السياسية الإصلاحية
وكل التعبيرات البرجوازية الصغيرة إفلاسها، وعجزها عن مسايرة المد، ولم تساهم في
تعبئة الجماهير المليونية وتنظيمها وتأطيرها، بل لعبت دور الكابح واللاجم،
والمساهمة في دور التحريف، انسجاما وطبيعتها، كما بدا واضحا ضعف القوى المناضلة
الحاملة للبديل، وتخلف المناضلين الثوريين وعدم استعدادهم كفاية مثل هكذا نهوض.
استعملت الشعوب، في هذا المد، وسائل
جديدة للتحريض و التشهير و التعبئة و التنظيم، لم تكن متوفرة في السابق، وفرها
التطور العلمي وثورة التكنولوجيات الجديدة للمعلوميات و الاتصال ( فايسبوك،
تويتر...)، إذ أصبح بإمكان مجموعات من الشباب المناضل، الاجتماع والنقاش ورسم
أهداف معينة، والتواصل المباشر مع الملايين من الجماهير، وإطلاعهم على ذلك،
ودعوتهم إلى النشاط العملي و النزول إلى الميادين، وتحديد الشعارات، و الآليات
التنظيمية لإنجاح المسيرات وحمايتها من الجواسيس و المخبرين، وآليات مواجهة فيالق
القمع، و الأكيد أن قوة هذه الأفكار، ونداءات الانتفاض، تعود لكونها نابعة من صلب
الواقع المأزوم، الذي كان دافعا ومحفزا لخروج الشعوب، وبالنظر إلى هذا المعطى، أنه
من الخطأ الحديث عن كون المد الثوري الذي عرفته المنطقة تلقائيا و عفويا، لأنه من الاستحالة
أن تنزل الملايين إلى الشوارع دون مناضلين قادرين على إنزالها، ودون تعبئتهم
وتنظيمهم.
اندلعت انتفاضة 20 فبراير ببلادنا،
وأفرزت حركة الشعب المغربي المناضلة " حركة 20 فبراير"، وأخذا بعين الاعتبار
تطورات المنطقة، ولتفادي ما حصل بتونس و مصر، جيش النظام أجهزته القمعية و الايديولوجية
وخاض حملة دعاية مسمومة على المناضلين(ت) وشباب(ت) حركة 20 فبراير، وطعن في صدق
نواياهم، وجيش أحزابه الرجعية المافيوزية، و القيادات النقابية العميلة، أما القوى
الإصلاحية فأثبتت دورها كعجلة إنقاد حقيقي للنظام، وبحكم معطيات الظرف السياسي،
وضعت يدها في يد القوى الظلامية، لتحييد المناضلين الثوريين وقطع الطريق عليهم،
وتوجيه المسار ضمن الخطوط الحمراء المرسومة سلفا، وتسقيف حركة 20 فبراير وفق ذلك،
وهذا هو مضمون ما سمي بـ "مجالس دعم حركة 20 فبراير".
20 فبراير الانتفاضة، و الحركة،
معني بها الشعب المغربي ككل، كل الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية المسحوقة،
التي لها مصلحة في تغيير الوضع جذريا، معني بها العمال الذين يمتص عرقهم ودمهم،
وتستخلص منهم فائض القيمة، مصدر الأرباح الرأسمالية الخيالية المتراكمة، العمال
الذين ينتجون ويشيدون جميع الخيرات المادية، أساس استمرار الحياة الإنسانية، ولا
يمتلكون أي شيء، ويستفيدون فقط من الفتات لتجديد قوة عملهم ومصادرة استغلالها من
طرف الرأسمال المتوحش. معني بها الفلاحون المعدمون الذين يعانون من نهب واستغلال
الإقطاعيين و الملاكين العقاريين الكبار، والمعطلين الباحثين عن عمل يستمدون منه
لقمة العيش، والطلبة و التلاميذ، الذين يعانون الإقصاء و التجهيل، وعاجزين عن دفع
متطلبات التعليم التي يفرضها مخطط الخوصصة، وهم يطمحون إلى تعليم مجاني بمضمون
علمي في مستوى التطورات العلمية للعصر، والحرفيون الصغار الذين ابتلعت المشاريع
الرأسمالية الاحتكارية مشاريعهم الصغيرة وأصبحوا عاجزين عن توفير لقمة العيش من
إنتاجهم الحرفي، و المرأة الكادحة / نصف المجتمع، التي تعاني من كل أشكال الاضطهاد
والتمييز...، معني بها كل عناصر التحالف الطبقي الشعبي، القاعدة الاجتماعية
الأساسية لأي تغيير منشود، و المشروع الذي يشمل ويحقق المصالح الجوهرية لكل عناصر
هذه القاعدة الاجتماعية، هو مشروع الطبقة العاملة، كونها الطبقة الاجتماعية التي
ليست لديها أية مصلحة في إعادة إنتاج نفس العلاقات الإنتاجية القائمة، وهذا
المشروع في ظل المرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع المغربي - مرحلة الاستعمار
الجديد - هو مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، هذا هو المشروع الوحيد و
السليم، وخارجه سوف لن يكون إلا وهما يساهم في واقع السيطرة والإدلال، وهو المشروع
الذي يعطي لحركة 20 فبراير مضمونها التحرري و الطبقي الحقيقي، ولكي تكون فعلا حركة
الشعب المغربي، إن المطلوب انخراط كل الطبقات والفئات السالفة داخلها، ليبقى
السؤال، هل تحقق هذا؟ وماهي الأسباب التي أعاقت ذلك وساهمت في إفراز الوضع الحالي؟
وما السبيل لمعاودة النهوض و التقدم، وشق الطريق نحو المستقبل؟...
لقد عرفت بلادنا مع 20 فبراير 2011،
نهوضا جماهيريا غير مسبوق، شمل مجمل المدن و البلدات، وشمل فئات جديدة كانت إلى
حدود ذلك التاريخ بعيدة عن أي حراك، وسجل بالمقابل هامشية العنصر العمالي في هذا النهوض.
فبشكل كبير اندفعت إلى حلبة الفعل الشبيبة المناضلة المتمردة من الأوضاع الاقتصادية
و الاجتماعية و السياسية السائدة، وهي في غالبيتها، تفتقر لأية خبرات سياسية و
عملية، نظرية و تنظيمية، واستغلت القوى الإصلاحية و القوى الظلامية قوتها
التنظيمية، ودعم النظام، واستطاعت إبعاد الحركة عن قاعدتها الجماهيرية شيئا فشيئا،
وجرها إلى المقرات لسجنها، وتسهيل تمرير قراراتها، أما الاتجاه السليم داخل الحركة
- الاتجاه الثوري – فقد كان وجوده ضعيفا وغير منظم، المعتمد على مجهودات و مبادرات
مناضلين أفراد في غالبية المواقع، مما جعله غير قادر على مجابهة الاتجاهات الأخرى
التي سقفت الحركة ووجهتها في منحى هو غير منحاها الصحيح، ولم يكن في مستوى قيادة
الجماهير الغفيرة التي نزلت إلى الشوارع، ولم يستطعوا تنظيم أنفسهم ورص صفوفهم،
بالرغم من الإنزالات القائمة على الأرض، والنجاحات التي سجلت في العديد من
المحطات، لكنه أمام سيادة أشكال النشاط العملي الضيقة جداً، ومع تطور الصراع،
وخلال اللحظات الحرجة و الصعبة، بدت هذه النواقص بارزة، خاصة وأن النظام جيش
فيالقه القمعية بشكل مكثف، وفصائل البوليس السياسي، والجواسيس و المخبرين،
المجهزين بأحدث الإمكانيات اللوجيستيكية، و في غياب المعطى التنظيمي الصلب، سهل
عليهم اختراق صفوف الحركة، بأشكال مباشرة وغير مباشرة، وعن طريق خلق البلبلة و
التشويش، وأمام وجود " مناضلين" من أصحاب الوجهين (double face) وازدواجية الخطاب و الممارسة (
ثورية الخطاب و انتهازية الممارسة )، ساد غياب الانسجام في العمل، وواقع انقسام
صفوف المناضلين، وأصبح التقاعس قاعدة و الدينامية و الحركة استثناء، والأخطر في
ذلك وصلت الجماهير الشعبية إلى فقدان الثقة، فصار الحال إلى ماهو علية الآن.
ومن هذا المنطلق، فالواجب يقتضي
استخلاص الدروس العملية، من تجربة 20 فبراير، وفهم أسباب النواقص و الإخفاقات التي
سجلت ، ومغزاها، وسبل تجاوزها، ومن أجل تطوير الممارسة المستقبلية، وأخذ المبادرة
بجرأة لمعاودة النهوض و التقدم من جديد، مهما كانت الضريبة، خصوصا وأن الواقع
الموضوعي يتوفر على كل عناصر تأجيج النضالات و التأسيس للمعارك القوية و الوازنة،
و لامفر من المزيد من الصمود الميداني و السير في مقدمة نضالات شعبنا، فالثوريون
الحقيقيون ، ليسوا من يرفعون شعارات الثورة، وإنما من ينتجون ممارسة سياسية ثورية،
ممارسة عملية دؤوبة تراكم نحو تحقيق المهام الاستراتيجية الثورية، أي نحو الإنجاز
الفعلي للثورة، وتركيزنا على الميدان، ليست مزايدة أو لغوا، وإنما لأنه لا يمكن أن
يقدم البدائل، و الأجوبة السليمة و الملموسة، للإشكالات و القضايا المطروحة و
المهام المطلوب إنجازها، إلا الذين يتواجدون في معمعان الصراع، و في قلب كفاحات
الجماهير، ويتقدمون نضالاتها، ويعطون في عملهم اليومي العبرة و الدليل، و النموذج
الحي لإنسان المجتمع الذي نريد إحلاله، فهناك فارق جوهري بين التنظير من الأبراج
العاجية، وصياغة الفكر الثوري من الممارسة الثورية، بين الجماهير، وطرح الإجابات
الملموسة لتغيير واقعها المزري.
20 فبراير، محطة تاريخية عظيمة،
ألهمت كل الثوار و الأحرار، و كل المبدئين و المخلصين، مرت الذكرى الأولى و
الثانية و الثالثة ونحن في الذكرى الرابعة، الذكرى تلو الذكرى، و كامتداد لقافلة
الشهداء يسقط الشهيد تلو الشهيد، سقط الشايب و فدوى العروي، وشهداء الحسيمة، و
العماري وبدروة و الكنوني و الحساني... و الزوهري و الفيزازي و نور الدين عبد
الوهاب، وبن عمار... وصولا إلى الشهيد مصطفى مزياني و لحسن أحراث و الدقوني...و
القافلة ستطول، شهداء أبطال، خصبوا بدمائهم الطاهرة تربة الوطن المغتصَب، كي تنبع
زهور أخرى ويعم الربيع. وصلت الذكرى الرابعة و السجون ملآى بالمعتقلين السياسيين،
الشموع التي تحترق لتنير الطريق نحو المستقبل الأحمر، ونظام القتلة و العملاء
يواصل مسلسل مؤامراته، من مؤامرة " إيكس ليبان "1955 إلى مؤامرة إقبار
النهج الديمقراطي القاعدي 24 أبريل 2014.. يواصل مسلسل تدمير البلاد و إدلال العباد،
وسحق شعبنا تحت القمع و الإرهاب، وجعله خارج التاريخ و التطور الإنساني.. لابديل
عن الصمود و المقاومة، لابديل عن التضحية، لابديل عن تجاوز العمل الضيق و
المجموعاتي، لابديل عن تنظيم الصفوف و رصها و تعميق تماسكها.
رغم تعقيدات الواقع، رغم الشوك و
الجمر، ورغم الحصار و القمع و المنع، و رغم السجن و السجان، و رغم كثرة المطالبين
برؤوسنا... لا مفر من الصمود و التضحية، و مواصلة المسير، و شق الطريق، بثبات و إصرار
نحو النصر.
المجد و
الخلود لشهداء الشعب المغربي قاطبة.
الحرية لكافة
المعتقلين السياسيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق